22‏/01‏/2015

رسائل إسرائيلية للمقاومة: لسنا معنيين بالتصعيد.


هل جاء دور ’إسرائيل’ لمحاولة إسقاط النظام السوري؟


شكّل عدم تعليق حزب الله، حتى اللحظة، على الإعتداء الإسرائيلي الذي طاول مجموعة من مجاهدي المقاومة الإسلامية في القنيطرة، ردّاً مقلقاً أدخل قادة الكيان العسكريين والسياسيين في متاهة التوقعات. طبعاً، السكوت ليس الردّ الذي تتوقعه إسرائيل، وتترقّبه جماهير المقاومة. تدخل اعتبارات عدة في تحديد نوعية الردّ وتوقيته ومفعوله.



لعب توقيت العدوان الإسرائيلي ـ بعد 48 ساعة على خطاب السيّد حسن نصرالله ـ دوراً كبيراً في دفع الشعور الجماهيري العام بأن ردّ المقاومة سيكون سريعاً وفي غضون ساعات. لكن تجارب المقاومة وقيادتها تدل على أنها لا تتصرّف بأسلوب ردّ الفعل المتسرّع، ولا تنساق الى فعل يتوقعه العدو، بل يريده. وعليه، فإن المنطق يقول إن قيادة المقاومة تدرس سيناريوهات واحتمالات عدّة لدوافع العدوان الإسرائيلي الأخير، على أن تبني استراتيجية الردّ وفق خلاصات التحقيقات التي تجريها.



على طاولة الدرس، تضع القيادة احتمالات عدة، منها أن تكون إسرائيل نفّذت عدوان القنيطرة ضد مجموعة المجاهدين، فيما لم تكن على علم مسبق بهوياتهم، أي أنها أرادت توجيه رسائل الى قيادة المقاومة تتعلّق بقواعد اللعبة التي كان السيّد حسن نصرالله قد أرساها في خطابه الأخير.



وفي هذا السياق، تقول المعلومات إن ملحقين عسكريين في سفارات أوروبية في بيروت، نقلوا توضيحات إسرائيلية بشأن الغارة. قالوا إن القيادة الإسرائيلية لم يكن لديها معلومات حول هوية المجموعة المستهدفة وخصوصاً العميد الإيراني الشهيد محمد علي الله دادي، وبالتالي هي غير معنية بأي تصعيد أو تسخين لأي جبهة من الجبهات، إن من جهة الحدود اللبنانية أو الحدود السورية. لا شك أن هذه الرسائل قد تأتي في سياق "جس نبض" المقاومة ومحاولة قياس درجة التصعيد في ردّ فعلها المنتظر.



تدرس قيادة المقاومة أيضاً، إحتمال أن يكون الإسرائيليون على علم مسبق بهوية المجموعة المستهدفة، وأسماء أعضائها. هذا الإحتمال، رغم إصرار الإسرائيليين على نفيه، إن من خلال رسائلهم غير المباشرة عبر ملحقين عسكريين، أو عبر الخبر الذي سرّبته وكالة "رويترز" بالأمس، منسوباً الى مصدر أمني إسرائيلي رفض الكشف عن اسمه، والذي جاء فيه أن الجنرال الإيراني لم يكن مستهدفاً، وأن إسرائيل اعتقدت أنها تهاجم مسلّحين عاديين، يتم التعاطي معه بجدّية كبيرة لما له من إشارات وتداعيات خطيرة.


دراسة هذه الإحتمالات لا تعني أن إسرائيل لم ترتكب حماقة يجب أن تُعاقب عليها. على أية حال، فإن العدوان الإسرائيلي قد حصل وأوقع شهداء سيكون دمهم لعنة تلاحق الإحتلال وقاداته. غير أن دراسة الإحتمالات كافة تهدف الى إستخلاص العبر، والوصول الى نتائج وخلاصات تبقى أساسية في العمل الأمني ـ العسكري للمقاومة، وعليها يُبنى الردّ وشكله وتوقيته ومكانه.



غير أن الإحتمالات المفترضة لعدوان القنيطرة، لا تقتصر على الرسائل المتعلقة بحرب "القواعد" المتبادلة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي. إذ برز احتمال فاقع أن تكون الغارة التي استهدفت مقاومين على الأرض السورية، متعلّقة بالحرب التي تشنّها قوى إقليمية ـ تكفيرية على سوريا، ومحاولة لفتح جبهة مع إسرائيل انطلاقا من سوريا. ستكون هذه الجبهة فرصة لإسرائيل للتدخل مباشرة على خط الحرب المفروضة على سوريا، والعمل بشكل واضح وصريح مع القوى الإقليمية ـ التكفيرية الساعية الى إسقاط حُكم الرئيس بشّار الأسد، تحت لافتة محاربة الحلف السوري ـ الإيراني في سوريا على تخوم الأراضي المحتلة. وبالتالي، يمكن قراءة العدوان الأخير على أنه محاولة لاستدراج ردّ موجع من قبل المقاومة، انطلاقاً من خارج الحدود اللبنانية، وتحديداً من داخل سوريا. ووفقاً لهذا، يرى العقل الإسرائيلي أنه حدّد للمقاومة جغرافية الردّ.. ويجهّز لاستثماره.



إذاً، بات الجميع على علم بأن المقاومة ستردّ. لكن، لا يملك معلومات عن طبيعة الردّ وزمانه ومكانه إلا الله والراسخون في حزبه. وبعيداً عن أدوات التخويف والتهويل والعويل بين بعض اللبنانيين من قادة سياسيين وإعلاميين، اختصر المعلّق الأمني في "معاريف الأسبوع" يوسي ميلمان، حال العقل الإسرائيلي الجماعي بعد حماقة القنيطرة قائلاً: نرجو ألا يندم من اتخذ قرار التصفية، وألا يكون خرق إسرائيل لقواعد اللعبة قراراً مغامراً يؤدي الى حريق كبير في الحدود الشمالية.
حمزة الخنسا
العهد اللبنانية

21‏/01‏/2015

تضامنا مع إنسانيتنا... قبل "حزب الله"


قد لا أوافق على مواقف «حزب الله» كلّها، ولكن بالتأكيد لا يمكنني تقبّل حقد مناوئيه، خصوصاً من اللبنانيين.

قد لا نوافق على قتال «حزب الله» في سوريا، وقد نوافق، إنّه موقف سياسي صرف. لكن أن توضع القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة في سلّة الاصطفاف السياسي، ويتمّ البناء عليها بتعليقات ومقالات عنوانها ومضمونها الشماتة والتشفّي، فإنَّ في الأمر شناعة وقبحا لا مثيل لهما. وليس المطلوب تضامناً سياسياً وعسكرياً وأمنياً مع «حزب الله»، فهو بالنتيجة حزب له مؤيّدوه وخصومه وأعداؤه. لكن لا يمكن وضع ناسه في عجلة الحقد السياسي، والمطالبة بحجب أي تضامن إنساني مع عائلات لبنانية فقدت أحبّتها.
لا يمكنني أن أتقبل مواقف إعلاميين لبنانيين يكتبون رسائل حقد عبر صفحاتهم الإلكترونية، ويدعون إلى مقاطعة تشييع شبان لبنانيين يبكيهم الآلاف، ويلفّ حزنٌ عميق أهلهَم وأقرباءهم وبيئتهم الاجتماعية برمّتها، ويلقون تضامن الكثيرين معهم. دعنا من الحزبيين، أليس لهؤلاء عائلات مفجوعة؟ فكيف يمكن الدعوة لحجب التعزية والمؤاساة عنهم؟
ومن النماذج المرفوضة ما نقرأه (على سبيل المثال لا الحصر) على صفحة إعلامي أردني شهير يتساءل بأنّ ردّ «حزب الله» طال كثيراً على اغتيال قائده العسكري عماد مغنية، وبعد مقتل نجله جهاد في القنيطرة هل سينتظر «حزب الله» موت الحفيد ليردّ؟ هل يمكن أن تُدمِّر السياسةُ القيمَ الإنسانية والأخلاقية إلى هذا الحدّ؟
الشماتة والسخرية من الموت فجور أفظع من أخطاء «حزب الله» كما يوصّفها هؤلاء، فكيف إذا كان الضحايا الستّة من اللبنانيين سقطوا بنيران إسرائيل؟ وَلِمَ لَمْ يذكر أحد من الإعلاميين «المنتفضين» و «المنقبضين» جرائمها بحقّ لبنان وفلسطين وشعبهما؟
قد يقول قائل هذا ما جناه «حزب الله» على نفسه. مردود هذا القول، إنّها لعبة سياسيّة وعسكريّة تخوضها محاور دوليّة عدّة، ولعبة أمم انخرط فيها «حزب الله» وجمهوره كما انخرط سواه في لعبة مختلفة. وسواء أخطأ هذا الجمهور أو أصاب، فإنه جمهور لبناني يستحقّ المحبة والاحتضان. فإذا وقع اعتداء على الضاحية الجنوبية أو على جنوب لبنان أو على طرابلس أو حتى على القنيطرة فإنّه يطال بالدرجة الأولى عائلات لبنانية ستتأثر لأعوام بفقد الأب والابن والزوج والأخ.
مقيتة هي تعليقات البعض في خضم مراسم التشييع، خصوصاً إن كانوا صحافيين وإعلاميين، وخبيث جدّاً إقحام موضوع ملكة جمال تستغبي الرأي العام في موضع متقدّم على قتل إسرائيل للبنانيين؛ ومقرف جداً الدفاع عن محام تطرّف في رأيه ثمّ الإقدام على رجم كلامي لعائلات فجعت بأحبائها وهم يقومون بما يرونه واجباً من وجهة نظرهم؟
ليس مطلوباً تأييد «حزب الله» في كلّ أفعاله، بَلِ التضامن مَعَ ذواتنا الإنسانية وإيماننا وتقاليدنا والأخلاق والقيم التي تربينا عليها، ووضع خط فاصل بين مواقفنا السياسية والمشاعر الإنسانية. في النهاية إنها لعبة أمم محمومة، ودول ستتقاتل لمئات السنين، وليس منطقياً أن ننخرط في حروبها حتى نفقد ذواتنا.
السفير اللبنانية

حزب الله» الجولاني


على حدود إسرائيل اليوم، جولاني يعمل منذ عامين ونيّف، وآخر تخشى ولادتَه.
الأول، أبو محمد الجولاني، له «جبهةٌ» ترابط على تخوم الأراضي السورية المحتلة، وتبسط سيطرتها على جزء معتبر من ريفي درعا والقنيطرة المتصلين جغرافياً، والمحاذيين لهضبة الجولان. تمكن «الجولاني الأول» من السيطرة على معبر القنيطرة الحدودي مع الهضبة المحتلة، مع جملة من الفصائل الحليفة، قبل خمسة أشهر. احتجزت «جبهة النصرة» التي يقودُها الرجل عناصرَ من قوات حفظ السلام الدولية أثناء الاشتباك، ثم أفرجت عنهم في إطار حملة تسويق دعائي رعتها دولة خليجية.
لم يُبدِ الجانب الإسرائيلي قلقاً عميقاً جراء التطور، لكنه ضاعف من إجراءاته الاحترازية على الحدود، من غير أن يمتنع عن التدخل مباشرة أو مواربة لمصلحة المعارضة المسلحة، و«النصرة» من بينها، في مواجهاتها المندلعة مع الجيش النظامي. هكذا، أعلنت إسرائيل قصفها مواقع للجيش مع اشتداد المعارك في جوارها المباشر، وركزت تقاريرها الاستخبارية وصحافتها على استثمار الدولة العبرية في بعض فصائل ريف درعا، التي استُقبل المئاتُ من جرحاها في مستشفياتها على مدى العامين الماضيين.
لا تشكل «النصرة» خطراً آنياً على إسرائيل برغم ارتباطها بتنظيم «القاعدة» الأم، فأولويتها إسقاط النظام «النصيري» وإقامة إمارتها «الإسلامية» في بلاد الشام. تلك مهمة تشبه الوهم لأسباب يطول شرحها، برغم بداهتها. وأوهامُ المحيط الجغرافي، أكبرُ حليف لإسرائيل. لذلك، فالأخيرة تعتمد المبدأ الاقتصادي الشهير في سياستها الأمنية التي «تُرسمِل» على بعض الفصائل «الجهادية»: دعه يعمل، دعه يمر.
في المقابل، تَظهر مؤشرات متزايدة حول سعي «حزب الله» إلى ترجمة رؤيته التي أعلنها أمينه العام قبل أشهر، لناحية إدراج المجال السوري ضمن استراتيجية المواجهة مع إسرائيل. وقد ركّز تقرير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حول توقعات العام 2015، الصادر قبل أسابيع، على تحركات الحزب قرب القنيطرة وعمله على «تشكيل مركز عمل معادٍ لإسرائيل في هضبة الجولان»، وأشار في هذا الإطار إلى دور جهاد مغنية بالاسم.
الضربة الإسرائيلية لـ «حزب الله» تأتي في هذا السياق، أي في سعيها لخنق نموذج جولاني له قبل أن يظهر. تحاول تل أبيب عبرها استباق محاولات الحزب استنساخ نفسه على حدودها السورية. فالمحاولة هذه ليست الأولى لـ «حزب الله» على مستوى الإقليم. وإسرائيل تدرك أن نجاح النماذج التي قدّمها في العراق واليمن، تفاوتَ بين ساحة وأخرى. غير أنها تعلم أيضاً بأن النماذج تلك أحدثت تغييراً كبيراً في المعادلات. وما ظاهرة الحوثيين في اليمن، إلا دليل دامغ على ذلك.
على أن نموذج «الحزب الجولاني» يختلف عن سوابقه في البلدين المذكورين. إذ يكاد يتطابق مع «حزب الله» لناحية الأداء الوظيفي المخصص أساساً للصراع مع إسرائيل، عوضاً عن ذاك القاضي بتثبيت بنىً مؤسسية وشبكات اجتماعية وقوى عسكرية تخوض حروب تغيير المعادلات أو تثبيتها، في دواخل المجتمعات المحلية حيث تستشري الفوضى.
وحركة الحزب في الجنوب السوري تَقدّمٌ متأن في حقل ألغام. فهو يخوض غمار المحاولة وجماعاتُ «الجهاد» التي تضع قلبَ النظام وقتالَ المغايرين السوريين في صلب أولوياتها، تبعد عنه كيلومترات قليلة. لكنه يدرك أن أي جماعة سورية على شاكلته، إن قُدّر لها أن تنمو، ستسحب كثيراً من البساط من تحت أقدام «الجهاديين»، خصوصاً أن هذا النمو يُفترض أن يحصل في أوساط «سنية»، تعوّل «النصرة» على استقطابها في معركة إقامة «الإمارة» شمال سوريا وجنوبها.
تدرك إسرائيل أن «حزب الله» الجولاني محاولة جنينية تحول دونها صعوبات كبرى، لكنها تأخذها على محمل الجد، وتخوض والحزب لذلك سباقاً مع الوقت. لا بيئة حاضنة واسعة ولا بنية تحتية مكتملة لـ «حزب الله» في جنوب سوريا. هذه معطيات راهنة ينطلق منها جميع المعنيين في تعاطيهم مع المسألة. على أن تأسيس الاثنين، إذا ما تم، سيجعل تعامل تل أبيب مع الظاهرة غاية في التعقيد والصعوبة.
وتوجه إسرائيل ضربتها أيضاً لأنها تخشى تخطي الحزب أزمة الشرعية التي سببتها له الحرب السورية ودوره فيها، على الصعيدين العربي والإسلامي، علماً بأن تضامن فصائل المقاومة الفلسطينية معه في مصابه الأخير وتنشيط العلاقات بين «حماس» وطهران، يؤشران إلى كوة يزداد اتساعها لمصلحته في هذا الإطار. وتل أبيب تعلم أهمية إقفال النوافذ التي يحاول الحزب فتحها.. وهي تتصرف على هذا الأساس.
بناء عليه، تراقب إسرائيل خط الجبهة الباردة في الجولان عن كثب، حيث المسألة لا تتعلق بالأسلحة النوعية التي أعلن عنها الأمين العام لـ «حزب الله» قبل أيام فحسب، بل بتحديد قواعد الاشتباك. لم يعد ذلك سراً بأي حالٍ من الأحوال. على أن أخطر ما في تعديل شروط اللعبة وقواعدها، هو تكرار النموذج ونقل التجربة اللذان كلّفاها غالياً في جنوب لبنان ولم تجد لهما حلاً بعد، برغم حرب 2006 المدمرة للبنان، والقرارات الدولية التالية المكبّلة لـ «حزب الله»، والمنعطفات الاستراتيجية في الإقليم، والتي شكلت الأزمة السورية أبرزها.
تترقب إسرائيل وتخشى نقل النموذج معدلاً، وفق ما يتناسب مع الواقعين الاجتماعي (الطائفي وخلافه) والجغرافي على حدودها مع الجولان. وهذا بحد ذاته يشكل تحديا بالغ الصعوبة لـ «حزب الله»، لكنه ليس بالمستحيل.
«حزب الله» الجولاني يشكل خطراً استراتيجياً على الكيان العبري. والأخير يدرك أن إجهاض الخطر قبل ولادته، هدفٌ ذو أولويةٍ مطلقة. فالولادة إذا ما تمت قد تنتج ديناميات تسمحُ بنموٍ سريع. وهذا لا يخلط الأوراق فحسب، بل يعيد الاعتبار للتضاد بين جملة من مكونات هذا المشرق، وبين كيانٍ يفيد من تناقضاتها، ومن تخلفها في تعريف الذات و «الآخر».


المقاومة: الى الجولان در



وفيق قانصوه – الأخبار اللبنانية
 
لم تعد اتفاقية فضّ الاشتباك بين سوريا والكيان العبري الموقعة في 1974 ذات قيمة، مع التحوّلات الميدانية في الجنوب السوري. غير أن جريمة اغتيال شهداء المقاومة في القنيطرة الأحد الماضي، تبدو كلحظة الإعلان الفعلي عن عمل المقاومة في الجولان، الذي قطع أشواطاً من إعداد الأرضية والبيئة الحاضنة والقوّة المدربّة والجاهزة خلال العام الماضي، وأعلن عن قراره الرئيس السوري بشار الأسد ثمّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله . مع بدء المقاومة على أرض الجولان، تنتهي مرحلة الحرب خارج الأسوار والمقاومات الجزئية، وتبدأ مرحلة المقاومة الشاملة الاستراتيجية
في وقت لا تزال التحقيقات جارية عما إذا كانت الغارة على القنيطرة التي أودت بحياة ستة من كوادر المقاومة ناتجة عن خطأ ميداني وقع فيه الشهداء بتحركهم في منطقة مكشوفة للعدو، أم عن عمل استخباراتي موضعي. وبصرف النظر عن قوة الضربة التي تلقتها المقاومة، فإن النتيجتين الاستراتيجيتين الأهم اللتين أسفر عنهما العدوان، هما إطلاق صفّارة تحوّل الجولان منطقة مقاومة، وتوحّدها في العمل المقاوم مع جنوب لبنان.

الاعتداء على القنيطرة رافقته تطورات لافتة، أبرزها:
ــــ ابتعاد حزب الله، في النعي الرسمي للشهداء الستة، عن توصيف «شهداء الواجب الجهادي»، الذي رافق كل بيانات النعي لمن سقطوا في الأراضي السورية من عناصره. وفي هذا إشارة واضحة الى ان هؤلاء سقطوا في مواجهة العدو الاسرائيلي، ما يثبت صحة منطق الحزب بأن الحرب التي يخوضها في سوريا هي حرب مع اسرائيل وحلفائها، من دون التقليل من الخطر التكفيري، وهذا ما ستجري الافادة منه لاحقاً على المستويين المعنوي والعملاني.
ــــ أثبت الاعتداء وجود تدخل اسرائيلي مباشر وعلني في الجولان بعدما كان الأمر يقتصر على تقارير عن تدخل غير مباشر ودعم لوجستي ومعلوماتي ومعالجة جرحى والمشاركة في بعض عمليات القصف.
ـــ توسيع ما تسميه اسرائيل «الجبهة الشمالية» لتشمل، الى جبهة جنوب لبنان، جبهة الجولان أيضاً، وبالتالي تأكيد صحة منطق الحزب وحرصه على عدم السماح للعدو أو للتكفيريين بالفصل بينهما.
ـــ أعطى العدوان المقاومة مبرراً لاستمرار العمل مع السوريين (وهو ما بدأ بالفعل وقطع أشواطاً) لتهيئة بيئة سورية حاضنة وعملانية لانطلاق حركة مقاومة في الجولان، وهو سيسرّع الخطوات ويضاعفها في هذا السياق.
أما في ما يتعلّق بالردّ على الغارة، فقد بات محسوماً، والبحث الجاري هو في مكانه وفي توقيته الذي يفترض ألا يكون بعيداً. صحيح ان المقاومة لا تعمل وفق منطق الثأر العشائري، لكن الرد العسكري، والموجع، أمر حتمي لاعتبارات عدة تتعلّق بمعنويات جمهور المقاومة، وبفعل الاغتيال المتعمّد، والعلني، لكوادرها. والأهم، للأسباب الأساسية التي لها علاقة بمحاولة العدو تغيير قواعد الاشتباك شبه المتعارف عليها وفرض معادلات جديدة. وعليه، سيكون الردّ واضحاً وبيّناً.
وإذا كان اعلان حزب الله عن عملية اللبونة في آب 2013 استغرق شهوراً، والاعلان عن عملية شبعا في تشرين الأول 2014 استغرق ساعات، فليس مستبعداً أن يأتي الاعلان عن الضربة الموعودة مترافقاً مع تنفيذها هذه المرة.

إذاً، زمان الرد ومكانه وشكله موضع درس لدى قيادة المقاومة. وهو درس يأخذ في الاعتبار عناصر عدة من بينها وضع المقاومة نفسها، وظروف الجيش السوري، والداخل اللبناني، والواقع الاقليمي، واحتمالات الردّ على الردّ وامكان التدحرج الى حرب واسعة.
ومع الجهوزية التامة للمقاومة في مواجهة أي تدحرج، فإن التقدير الأولي أن الاسرائيلي ربما يكون مجبراً على بلع الردّ مهما كانت قساوته، لاعتبارات أميركية في الدرجة الأولى، تتعلق بالمفاوضات حول النووي الايراني بين واشنطن وطهران، من دون أن يحول ذلك دون استمرار حرب «الضرب تحت الحزام» القائمة بين الطرفين. وهنا يمكن إدراج المسعى الاسرائيلي باتجاه التهدئة أمس، عبر التصريح بأن اعتداء القنيطرة لم يكن يستهدف اغتيال العميد في الحرس الثوري الايراني، محمد علي الله دادي، وانه «كان يفترض أن تكون العملية تكتيكية محدودة»!
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» من مصادر سورية مطلعة أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني مرّ بدمشق قبل نحو عشرة أيام في طريقه الى بيروت حيث التقى قيادة المقاومة. وترافقت الزيارة مع ما نقل عن دبلوماسيين ايرانيين عن تقدّم كبير في الملف النووي، وأن واشنطن أبلغت حلفاءها في الرياض وتل أبيب بالأمر. وبصرف النظر عن النوايا الأميركية، فإن من يذهب الى اتفاق كبير على مستوى المنطقة، معطوفاً على تنسيق مع طهران ضد «داعش» في العراق على الأقل، ومعطوفاً كذلك على بدء الحديث عن ملامح حل سياسي في سوريا، لن يسمح للاسرائيلي بجرّ المنطقة الى حرب شاملة تطيح بهذا الانجاز الذي يعمل له باراك اوباما منذ ولايته الأولى.
أضف الى ذلك، على المستوى الميداني، إدراك تل أبيب، في ضوء ما كشفه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أخيراً حول ترسانة المقاومة، أن الحرب مع الحزب ليست نزهة صيفية في ظل عشرات آلاف الصواريخ الدقيقة والمتطورة التي يملكها، ولا يمكن أي مشروع انتخابي داخلي في اسرائيل أن يتحمّلها. أما على المستوى السياسي، فلا مصلحة اسرائيلية في حرب تعيد لحزب الله مكانته عربياً، وتعيد الصراع في المنطقة الى جوهره، في ظل التوتر المذهبي المريح للدولة العبرية.
في التقدير ــــ أيضاً ــــ حول مكان الردّ، أعطى الاسرائيليون، بعدوانهم على الأراضي السورية، المقاومة ذريعة للرد من الجبهة نفسها، من دون إغفال بقية الجبهات. ناهيك عن أن الداخل اللبناني سيكون أكثر تقبّلاً لضربة على الجبهة السورية قد تبقي لبنان في منأى عن تبعاتها، ولا تطيح بأجواء التواصل والحوار مع بقية الأطراف السياسية.





20‏/01‏/2015

من هو شهيد حزب الله محمد أبو الحسن

عدنان طباجة |  السفير اللبنانية 

إلى جانب عمله المقاوم، كان الشهيد محمد أبو الحسن يعمل في مهنة «الغرافيك ديزاين» لصالح عدد من الشركات، وهو خريج جامعة LIU ، وكان عمله الأخير في إحدى الشركات المهمة التي أنتجت العديد من الأفلام الوثائقية عن عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وحرب تموز، وهو لم يكن متفرغاً في عمله المقاوم تماماً، بل كان يجمع بين عمله في مهنته وبين جهاده.

2       
بثقة عارمة ورباطة جأش قوية، يعرب والد الشهيد حسن أبو الحسن عن فخره واعتزازه باستشهاد ابنه وصديقه وحبيبه البكر، كما يصفه. يقول إنه اختار قضية نبيلة ومقدسة أحب أن يدافع عنها بملء إرادته وقناعته، وكان يعرف مسبقاً ما يمكن أن يتعرض له، بما في ذلك الاستشهاد من أجلها، فكان له ما تمنى وما أراد عن سابق تصور وتصميم. 
ويصف الوالد ابنه بالشهيد المبدع والخلاق في مهنته وعمله الفني بامتياز، وصاحب القرار الحازم في عمله المقاوم، وتوجه للإسرائيليين قائلاً: من السهل الاتفاق على تهدئة الأمور، لكنكم ماضون في التصعيد، لذلك ستدفعون الثمن غالياً، وإنني مع الكثيرين من الناس الشرفاء والأوفياء على استعداد للانخراط في هذه القضية النبيلة. وتمنى التوفيق للمقاومة في حربها ضد العدو الإسرائيلي وضد الإرهاب في سوريا، وعلى رأسها السيد حسن نصرالله وقادة المقاومة ومحور المقاومة. 
كان الشهيد أبو الحسن ينوي الزواج بخطيبته بعد فترة وجيزة من الوقت، وقد مضى على خطبتهما نحو عام ونصف عام. ولهذه الغاية اشترى شقة في النبطية وفرشها، وهو تحمل مسؤولية تربية أشقائه الأربعة مع شقيقتهم، لوجود والده في الإغتراب سنوات طويلة. وإلى جانب عمله وجهاده، افتتح أبو الحسن مؤخراً، مع عدد من أصدقائه، شركة لبيع اللوازم والأدوات الطبية في النبطية. 
ويشير الوالد إلى أنه التقى بابنه السبت ما قبل الأخير، على أساس أن يلتقيه السبت الفائت، لكنه بسبب انشغالاته لم يتم اللقاء، بعدها أخذ يتواصل معه عبر «الواتساب» أياماً معدودة، ثم لم يعد يرد عليه مطلقاً. وعندما سأل عنه قالوا له بأنه توجه إلى سوريا للمشاركة في الدفاع المقدس.