هكذا قال لي الضابط المحترم (والذي يرتدي زيا مدنيا) وأنا ما زلت بعيدا عن إحدى كنائس القاهرة في ضاحية مصر الجديدة .
لن أزعم أن سؤاله كان مفاجئا بالنسبة لي ، ولكني لن أزعم إنني – رغم توقعي للسؤال – بسب علمي المسبق بتشديد الإجراءات الأمنية حول الكنائس بسبب تفجير كنيسة القديسين في مطلع عام 2011 ، وبرغم توقعي للسؤال ، إلا إنني قد تفاجأت !
لا أدري كيف !
لقد تعلمت من هذا الموقف أن المفاجأة التي تأتي للإنسان وهو يتوقعها ، أكبر من المفاجأة التي تأتي وهو لا يتوقعها !
لقد كانت لحظة من لحظات العمر !
حين أخرجت تحقيق شخصيتي ، ونظر فيها الضابط ، قال لي : " رايح فين يا أستاذ عبدالرحمن ؟ "
من شدة المفاجأة أيضا ، تلعثمت !
قلت له : رايح احضر القداس .
قال لي : تبع مين ؟
تلعثمت !
قال لي : يعني حضرتك تبع مين ؟
قلت : مواطن مصري يا بيه !
قال لي : صحافة يعني ؟
قلت له : لا ...!
قال لي : أمال رايح فين ؟
قلت له : رايح أحضر القداس مع إخوتي المصريين الأقباط ، وإذا كان هذا يضايقك بأي شكل من الأشكال ، فقل لي ...!
سألني : يعني عايز تدخل جوه الكنيسة ...؟قلت له : لا ... سأقف في الخارج ...
قال لي : تفضل !
حاولت أن أتجاهل هذا الموقف ، وحاولت أن أتغلب على غصتي في نقطة التفتيش الثانية والتي كانت قريبة للكنيسة ، وحاولت أن لا أفكر فيما حدث فيما تلا ذلك من أيام ، ولكنني فشلت !
لقد كان ما حدث مهينا ، ليس على الصعيد الفردي ، ولكن على الصعيد الوطني القومي !
مهين ، لأننا عجزنا عن تأمين هذه الكنائس .
مهين ، لأننا عجزنا عن تأمين أنفسنا وأبنائنا وإخوتنا ضد فيروس الطائفية .
مهين ، لأننا نرى كل ما حدث ، ولا نستطيع أن نوقف الانهيار .
إن أسوأ ما في هذا الحدث ، أنه ليس الفصل الأخير في مسلسل الفتنة ، بل هو فصل ستليه فصول وفصول ، وستذكرون ما أقول لكم في تفجير آخر قريب !
إن انهيار أداء الدولة المصرية يجعلني أصل إلى يقين أن مصر ليس أمامها سوى خيار من اثنين ، إما أن يأتي التغيير بأيدي الناس ، وإما أن يستمر الانهيار في كل المجالات حتى نرى المنطقة الخضراء بالقاهرة !
والمنطقة الخضراء - لمن لا يعرفها - هي منطقة مسورة ، أقامها الاحتلال الأمريكي في وسط بغداد ، منطقة مسورة ، فيها المكاتب التي تدير البلد ، وفيها يتم تأمين المسؤولين والسفراء وغيرهم ، والحكومة تؤمن هذه المنطقة فقط ، لأنها لا تستطيع أن تؤمن البلد كله ، لذلك تركز قدراتها الأمنية في مكان واحد ، وذلك يجعله عرضة أكبر لصواريخ المقاومة وعملياتها العسكرية ...!
قد يظن البعض إن هذا الأمر بعيد ، ولكني أقول لمن يظن ذلك ، قد كان لنا من قبل إخوة في العراق يظنون هذا الأمر بعيدا ، وها هم الآن يعيشونه واقعا مريرا بعد أن دمرت مجموعة من الطغاة مكتسبات شعب عظيم .
إن الاستبداد هو أس المصائب ، وبوابة كل شر ، وعدو كل خير .
أن خلاصة الدرس العراقي بسيطة واضحة ، الاستبداد هو الذي يؤدي إلى الاستعمار !
قد يحسب البعض أن الكاتب يهول في الأمور ، ولكني أقول إن الأمر بعيد كل البعد عن أي تهويل ، إنها محاولة لاستشراف المستقبل ، مع الاتعاظ بما يجري حولنا من مآس وأحداث .
أما الانتظار في غفلة حتى نرى أسوار المنطقة الخضراء في القاهرة ، فهو أمر يا يقوم به إلا خائن للأمانة الوطنية .
يا أهل مصر ...
احذروا ، وأفيقوا ...
فالأمر أخطر مما نظن جميعا ...
ليس أمام المصريين إلا أن ينضموا لتيار التغيير ، وإلا فانتظروا الأسوأ ...ولا أرى الأسوأ بعد أن وصلنا لهذا الانحطاط إلا فتح أبواب الجحيم على الجميع ...!
والله يسدد الخطا ...
عبدالرحمن يوسف
arahman@arahman.net
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.