14‏/11‏/2014

معركة شرق المتوسط والعدوان على البحرية المصرية!

إعلان القاهرة: مصر واليونان وقبرص في المعركة

في ٨ نوفمبر (تشرين ثاني) الجاري أصدرت القمة الثلاثية بين الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، والرئيس القبرصي "نيكوس آنستازيادس"، ورئيس الوزراء اليوناني "آنتونيس ساماراس"، بيانا عرف بإعلان القاهرة، يؤطر التعاون بين الدول الثلاث في شرق المتوسط!  وهي خطوة بالغة الدقة والأهمية نظرا لما للأطراف من صراع مصالح مع تركيا، فقد كان نص الإعلان جريئا في عدة مواضع كان أهمها:

(١) التأكيد على "احترام سيادة جمهورية قبرص (أو قبرص اليونانية) على نطاقها الاقتصادي، ودعوة تركيا للتوقف الفوري عن أعمال المسح السيزمولوجي (التنقيب عن الغاز والبترول) في المياه الإقليمية القبرصية"، وخلفية هذا البند هو إرسال تركيا لسفينة مسح سيزمولوجي للمياه القبرصية، وكذلك بارجة حربية تركية تقف على بعد تسع أميال بحرية من سفينة تنقيب منحتها قبرص اليونانية حقوق التنقيب عن الغاز، حيث اعتبرت تركيا هذا التصرف حفاظا على حقوق القبارصة الأتراك (جمهورية شمال قبرص التركية)

(٢) الدعوة لإنهاء المشكلة القبرصية، وتوحيد الجزيرة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وجدير بالذكر هنا أن جمهورية قبرص الجنوبية معترف بها دوليا في الأمم المتحدة، وتتبادل التمثيل الدبلوماسي مع كل دول العالم! بينما جمهورية شمال قبرص التركية  (المحتلة من قبل تركيا منذ ١٩٧٤م) غير معترف بها إلا من تركيا! هكذا ترتد "شرعية أردوجان" في نحره.

(٣) الإشارة لثروات الطاقة التقليدية في شرق المتوسط، والاستناد إلى مرجعية قانون البحار الدولي، وعزم الدول الثلاث على المضي قدما في ترسيم الحدود البحرية لها! (أو بمعنى أدق إكمال ما بدأته مصر مع قبرص من ترسيم الحدود في عام ٢٠٠٣م) وهذا هو المؤشر الأخطر لتركيا، حيث يعني ترسيم الحدود مع دولتين عضوتين في الاتحاد الأوروبي حفظ حقوق مصر وحقوق الدولتين في ثروات مياهها الإقليمية، وانعدام المنطقة الضبابية التي تستغلها تركيا وإسرائيل للتنقيب عن البترول، فضلا عن ضمان الاعتراف الدولي الفوري بهذا الترسيم للحدود البحرية.

(٤) تغير لغة الدول الثلاث إزاء الأزمة السورية، بالتأكيد على عملهم بالتنسيق مع المبعوث الدولي للأمم المتحدة "ستيفان دي مستورا"، والذي صرح "بان كي مون" أنه عينه بعد تشاور مع جميع الأطراف بما فيها السلطات السورية! وكذلك نائبه المصري "رمزي عز الدين" سفير مصر السابق في برلين. هذا التغير الذي تجاهل أذناب تركيا في الأزمة السورية، شكل تغييرا واضحا، يعكس إدراك دور تركيا في الأزمة السورية، ودافعها لهذا الدور وهو المياه الإقليمية السورية كشريك في ثروات الغاز شرق المتوسط.

(٥) تجاهل البيان الإشارة لإسرائيل كشريك في غاز شرق المتوسط، وأشار عوضا عن ذلك لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وفقا لقرارات الأمم المتحدة.

 

لم يكن إعلان القاهرة هو التحرك السياسي-الاقتصادي المصري الوحيد ضد "خليفة المجرمين" في تركيا، فقد سبقه بأسبوعين إعلان وزارة النقل عزمها عدم تجديد اتفاقية الرورو، التي تنتهي في مارس المقبل، والتي يتم وفقا لها شحن البضائع التركية إلى موانيء دمياط وبورسعيد، ومنها برا إلى ميناء السخنة، حيث يتم شحنها عبر البحر الأحمر لأسواق الخليج العربي، وبهذا تستفيد تركيا من تجنب رسوم المرور في قناة السويس!!

 

تصريحات قائد البحرية التركية بين التهوين والتهويل

صرح "آدم بستان-أوغلو" قائد البحرية التركية، في ٩ نوفمبر الجاري (اليوم التالي لإعلان القاهرة)، أنه "تسلم قواعد الاشتباك الجديدة في شرق المتوسط من القيادة العامة للقوات المسلحة، والتي فوضتها الحكومة التركية في التطبيق الفوري لقواعد الاشتباك المعدلة عند الحاجة لذلك، بعد تزايد الاحتقان مع الدول المعنية بالتنقيب عن الغاز والبترول في شرق المتوسط وهي مصر وقبرص اليونانية وإسرائيل". وقد تناول الإعلام عندنا - على لسان الخبراء الاستراتيجيين العظام - تلك التصريحات بتهوين شديد، حيث قال بعضهم أنه مجرد تصريح روتيني في حالة تعرض تركيا ومياهها الإقليمية للاعتداء!!! وهو ما يدل أن جناب الخبير لم يقرأ نص التصريحات قبل التعليق عليها! تلك التصريحات كانت ردا مباشرا على إعلان القاهرة، في حالة إعلان تحدي! حيث تضمنت تصريحاته أن قواعد الاشتباك المعدلة تتضمن "مواجهة أي قطع بحرية مصرية أو قبرصية أو إسرائيلية في مناطق التنقيب"، كما تتضمن حماية باخرة التنقيب "بارباروس خير الدين باشا" التي أشار إليها إعلان القاهرة بوصفها عملا غير مشروع في النطاق الاقتصادي لقبرص، كما أشار "بستان-أوغلو" أن البحرية التركية تراقب سفينة الشركة الإيطالية-الكورية، التي منحتها قبرص حق التنقيب، من مسافة تسعة كيلومترات، وأن التعليمات "حتى الآن" هي عدم الاقتراب منها أو التحرش بها مباشرة!

 

العدوان على البحرية المصرية أمام سواحل دمياط!

على بعد قرابة ٨٠ ميل بحري شمال دمياط يقع حقل "لافياثان" الذي تستخرج منه إسرائيل الغاز، كما يقع حقل "آفروديت" موضع النزاع بين قبرص وتركيا، وعلى مسافة أقرب تقع الحقول التي تستكشفها شركة شل مصر بتفويض من وزارة البترول والطاقة، وكذلك حقول تستكشفها شركات صينية- مصرية منذ ٢٠٠٥م. كل هذا في المنطقة شمال دمياط! لهذا فمن حيث التوقيت والموقع الذي ارتكبت به جريمة العدوان، وبغض النظر عمن قام بها بالوكالة عن غيره، فالمنطق يوجه أصابع الاتهام نحو تركيا أو إسرائيل، أو نحوهما معا! تركيا ذات العلاقات الاقتصادية والعسكرية المتميزة مع إسرائيل (بعيدا عن مسرحية مرمرة) تشكل حلفا مضادا للحلف الذي أعلنته مصر في قمة القاهرة. وهذه الجريمة حلقة من حلقات صراع طويل ومرير، والإرهاب في سيناء وفي سوريا هو بدوره حلقة من حلقات ذلك الصراع.

 

لو كان كلينتون قد صدق في شيء، فهو قوله "إنه الاقتصاد يا غبي" .. إنه الاقتصاد دائما.

 

والآن: ألا تستحق تلك المعركة المصيرية التي تستخدم فيها أذناب الإرهاب التكفيري، لإرهاق الجيوش العربية قبل أن يأتي وقت المعركة المباشرة مع الجيوش المعادية، ألا تستحق تلك المعركة كل الانتباه؟ أم نظل مشغولين بتسييس الفضائح الجنسية وحالات الاكتئاب والانتحار. 

بقلم الكاتب الدكتور / إياد حرفوش