بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين,والصلاة والسلام علي خير خلقه خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله وعلي آله الطيبين الطاهرين واصحابه الابرار الميامين.
إلي السادة الكرام المسئولين في مجلة الوطن العربي الموقرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هي المرة الثانية التي اكتب لكم فيها جوابا علي ماتنشروه في مجلتكم من مقالات تنم عن عدم معرفة كاتبيها بالحقيقة,بل وجهلهم جهلا مركبا أعمي ,أو لاندفاعهم للكتابة بسبب تعصب ذميم,آن لأبناء عصر النور وتنوع وسائل المعرفة وانتشارها بصورة مذهلة لم يسبق لها نظير, أن يبتعدوا عن أمثال هذه الأساليب , وأن ينأوا بأنفسهم عن النفخ بأبواق الفتنة , وتأجيج نيران آتونها الذي لا يبقي ولا يذر, سواء أكان إندفاعهم هذا صادرا عن حسن نية وخلفية جهل مطبق , أو لكونه بضاعة مزجاه بيعت بثمن بخس لجهات تريد الانقضاض علي الإسلام وأهله ,سواء كانت جهات عدوة أو جهات مأجورة.
في العدد رقم 1725 من مجلتكم الموقرة , الصادرة بتاريخ 24/3/2010 نشرتم كلاما غير لائق أعده السيد مصطفي بركات وقد تضمن هذا الكلام صدقا ممزوجا ببهتان وأخبار ملفقة,وخيالات مشوشة اختلط فيها الحابل بالنابل , والصدق بالكذب, كما جمع بين جهات لا علاقة بينها ولا رابطة . وسوف أعلق علي عدد من النقاط التي وردت فيما نشر:-
1- مقدمة تاريخية :
بعد انتهاء فترة الخلافة الاسلامية الأولي – والتي لن تتجاوز واحد وأربعين عاما- قامت الدولة الأموية التي أخذت علي عاتقها القيام بحملة معادية لبني هاشم عائلة الرسول الأعظم سيدنا ونبينا محمد صلي الله عليه وعلي آله وسلم , فسنت أول سنة سيئة في الإسلام بلعن الإمام علي بن أبي طالب وشتمه علي منابر الدولة الإسلامية المترامية الأطراف,في كل خطب الجمعة والأعياد علي مدي تسعين عاما , تخللتها سنتان من الإمتناع , هما فترة خلافة الأمير الراشد عمر بن عبد العزيز . كما قتلت سيدي شباب أهل الجنة سبطي النبي – ص- ,حيث قتل الإمام الحسن بالسم , ثم قتل الإمام الحسين مع ثلة من آل النبي وصحبه الكرام,في مجزرة مروعة علي أرض كربلاء , تلك الفاجعة التي لايزال صداها يرن في مسامع الدهر الي يومنا هذا. ثم توالت عملية تعقب أهل البيت ومن والاهم طوال العهد الأموي والعباسي الذي لم يكن أفضل من سابقه,فقد قتل الشباب والشيوخ والنساء والأطفال , وبنيت عليهم الجدران وهم أحياء , وزجوا بغياهب السجون . أما من قدرت له النجاة فقد هرب الي بلاد الشرق الأقصى حتي جزر إندونيسيا ,وفي الإتجاه الأخر عبر شمال أفريقيا الي بلاد المغرب حيث نشأت دولة الأدارسة , ولا يزال عرشها العلوي قائما مستقرا حتي يومنا هذا.
خلال ما يناهز قرنا ونصف بعد وفاة النبي – ص- لم يعرف المسلمون تنوعا في المذاهب, بل كانوا أمة واحدة من حيث التشريع , وكان أئمة آل البيت النبوي مقصد طلاب العلوم الإسلامية , فقد أسس الخامس منهم الإمام محمد الباقر , إبن الإمام علي بن الحسين زين العابدين أول جامعة إسلامية في المدينة المنورة ثم طورها ووسع مناهجها ولده الإمام جعفر الصادق , حتي باتت أكبر تجمع علمي في العالم الإسلامي , قصده آلاف طلاب العلم من كل أصقاع المعمورة .
وقد رفض جميع أئمة آل البيت التعرض للسلطة بعد مجزرة كربلاء , وحصروا نشاطهم في بث العلوم النبوية , والمحافظة علي الشريعة الإسلامة الغراء ,ولايغيب عن الذاكرة رفض الإمام الصادق لعرض التربع علي عرش الخلافة فور انهيار الدولة الأموية ,إذ طلبه أبو سلمة الخلال ممول الثورة وشريك أبي مسلم الخراساني , ليبايعه خليفة علي العرش الإسلامي والدولة العتيدة , لكن الامام رفض العرض جملة وتفصيلا , فتسلم الخلافة أبو العباس السفاح بكر خلفاء بني العباس , ولما عرض المأمون بن هارون الرشيد علي الإمام علي الرضا أن يتنازل له عن الخلافة رفض الإمام ذلك, وبعد محاورات طويلة قبل الإمام ولاية العهد ضمن شروط فصلتها كتب التاريخ , وكان القدر الإلهي قد قضى بإستشهاد الإمام الرضا في حياة المأمون علي يد أمراء بني العباس.
نشأ أتباع آل البيت وعلماؤهم علي هذه الثقافة طوال القرون الخالية ,نعم , إندلعتثورات حملت لواء الإنتقام لآل البيت , وقامت دول رفعت رايتهم , لكنها لم يتول قيادتها الأئمة ولا علماء الأمة , فثورة المختار الثقفي علي الأمويين لم تكن بأمر من الأئمة , وإن كانوا قد ترحموا عليه. وكذلك قيام الدولة الفاطمية ودولة الأدارسة والدولة الحمدانية وغيرها , فإنها لم تقم بقيادة علماء الدين , وإنما كان ذلك بزعامة رجال وسياسيين , ولم يتربع عالم واحد علي عرش السلطة قبل الثورة الإسلامية في إيران منذ ثلاثة عقود.
هذا من الناحية السياسية .أما من الناحية العقيدية والتشريعية , فإنه بعد قيام الدولة العباسية بدأ نشوء المدارس الفكرية والتشريعية الإسلامية المتنوعة , حتي إنعقدت حوزات عشرات المذاهب عبر القرون , نيفت علي سبعين مذهب , وبات لكل مذهب خصوصياته وملامحه , ورؤاه واجتهاداته ,وإن كانت كلها قد إشتركت في ثوابت الإسلام عقيدة وشريعة.
2- تشترك جميع مذاهب الأمة الاسلامية بالثوابت الآنفة الذكر من الاعتراف بوحدانية الخالق عز وجل , والإيمان بنبوة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم, وأنه خاتم الانبياء والمرسلين , وأن القرآن الموجود بين أيدي التاس هو كتاب الله تعالى الذي لا يأتيهالباطل من بين يديه ولا من خلفه, نزل علي قلب الرسول رحمة للعالمين ,والإيمان بيوم الحساب والجنة والنار ,والمحافظة علي ضرورات الدين كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج بيت الله الحرام وأداء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , الي أخر تلك القائمة الطويلة من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
3- لم يجد المسلمون غضاضة في التنقل بين المذاهب , لا في عصر نشوء المذاهب , ولا بعد ذلك.لأن المسلمين لم يعتبروا هذا الإنتقال ردة عن الدين ولا خروجا من ربقة الإسلام. ولو أن الإنتقال من مذهب لآخر كان ردة عن الدين و خروجا من الإسلام_ لا سمح الله _ لكان المفروض أن يفتش المسلمون الغيارى منذ عهد بعيد عن المذهب الأوحد الصحيح , و يعتبروا انتحاله تمسكا بالإسلام ,و أن يرفضوا ما عداه من المذاهب و يحاربوها تحت شعار الردة.
و لا أرغب الآن في الدخول في حوار حول وجود السابق من المذاهب من حيث الزمن , و لا من حيث السلسلة الناقلة للسنة النبوية الشريفة. لأن ذلك سيخرجني عما أنا بصدده , و لأن الحوار حول ذلك لم يجد نفعا خلال القرون الخالية. لكنني سأقول: إن التمسك بمذهب أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم إنما هو في _الحد الأدنى_ نوع من اللجوء الى أي مذهب من مذاهب المسلمين , ليس فيه خروج من الدين و لا ردة عن الإسلام, شأنه في ذلك شأن التنقل بين المذاهب الأربعة المشهورة ,أو غيرها من المذاهب التي طواها الزمن ,أو قبعت على أنفسها في زاوية الإهمال لقلة أتباعها , أو انبعثت من جديد , أو أنها بدأت تتكون منذ عقود قليلة من السنين.
4- لماذا يرى الحاقدون على أهل البيت النبوي أن التشيع لهم جريمة لا تغتفر , مع أنه أمر بدأ منذ العهد النبوي ؟ بينما هم لا يبالون بنشوء مذاهب جديدة في عصرنا الحاضر لبست ثوب العنف و القتل و إشاعة الرعب و ترويع الآمنين! فهل سمع أحد أن شيعيا واحدا خطف طائرة و صدمها بمبنى آهل بآلاف السكان , مما جر على المسلمين حربا ضروسا وصمت المسلمين بأبشع الوان صفات الإرهاب, و حملتهم تبعات هذا العمل , من قتل المئات كل يوم , و بما اساء لسمعتهم و أمنهم و كيانهم و احترامهم بين الناس ؟ و هل سمع أحد أن شيعيا واحدا فجر نفسه في مسجد عامر بالمصلين ؟ و هل سمع أحد بأن شيعيا واحدا دخل الى مراقد رموز السنة و علمائهم , وفجر المكان و قتل العابدين فيه ؟
ثم هل سمع أحد بأن عالما شيعيا واحدا وزع فتاوى التكفير علي المسلمين ؟ ثم أمر بحرمة الدعاء لهم بالنصر إذا ما نشبت الحرب بينهم وبين أعداء الإسلام والمسلمين , بل وأعداء الإنسانية والقيم والأخلاق والمقدسات مثل إسرائيل ؟ وهل أفتى عالم شيعي واحد بحرمة تناول ذبح المسلمين؟
ترى لو أن شيئا من ذلك حصل , فماذا ستكون ردة الفعل عند سائر الأمة ؟ ألا تقوم الدنيا ولا تقعد؟ نعم , لو أن واحدا من الشيعة فعل ذلك فسوف تقوم الدنيا ولن تقعد , وسوف يفتش الناس كلهم , من علماء دين وأنصاف المتعلمين وأرباعهم والجهال , ومن الساسة والمتدينين والفسقة , ومن أهل الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية ورواد الإنترنت, سيفتشون جميعا عن كل ألفاظ الشتم والسب والإهانة في كل لغات العالم ويلصقونها بكامل الشيعة الذين يربوا عددهم علي النصف مليار مسلم. كل ذلك, لأن واحدا شاذا منهم فعل أو قال ما لا يليق!!
بينما الأمر في المقابل علي العكس من ذلك , فإن القتل للشيعة قائم على قدم وساق في العراق و أفغانستان وغيرها من بلاد الأرض , ولا من ينبس ببنت شفة !! ولا من يعترض ويقول: كفى إراقة للدماء البريئة!! كذلك تكفيرهم بأصناف من الفتاوى الصادرة عن جهل وحقد وتعصب أعمى , وتحريم الدعاء لهم بإنتصارهم علي إسرائيل في حروبها العدوانية !! والأفظع من ذلك أن علماء لهم مواقعهم ومكانتهم برروا جرائم إسرائيل , وحرموا الدعاء بنصر شباب مؤمنين حملوا أرواحهم علي أكفهم ,وقدموها بكل طواعية لحماية الأوطان والمقدسات والأهل والآمنين ,ودافعوا عن مقدسات المسلمين , وحملوا مسؤولية التصدي لجرائم إسرائيل أصالة عن أنفسهم , ونيابة عن أهلهم ووطنهم وجميع العرب والمسلمين .ولكن مع الأسف لم يقل لهم أحد من الناس : شكرا !!
قل لي أيها الكاتب , وقل لي أيها القارئ : إذا حرم الدعاء بالنصر للمقاومة في لبنان وفلسطين ,ألا يعني ذلك الدعاء بالنصر لإسرائيل ؟ ثم ماذا فعل أبناء المقاومة في لبنان وفلسطين حتي يواجهوا بهذا الموقف الظالم ؟؟ ألم تسمع ايها الأخ العزيز بقوله تعالى في القرآن الكريم : ﴿إنما المؤمنون إخوة ﴾؟ ألم تسمع بقوله تعالى كذلك : ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون*ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون*ولا تكونوا كالذين تفرقوا و إختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم*﴾؟ ألم تسمع بقول النبي الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم : ﴿ المسلم أخو المسلم أحب أم كره﴾ ؟ ألم تسمع بقوله كذلك : ﴿كل المسلم على المسلم حرام , دمه وماله وعرضه ﴾؟ .أليس من عرض المسلم تدينه وشرفه وسمعته وكرامته ؟ ألم تسمع بقوله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك في خطبته الشهيرة في حجة الوداع : ﴿لا ألفينكم بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض﴾؟.
نعم لقد سمعت ذلك , وقرأته ,كما سمعه جميع المسلمين وقرأوه ,إلا أن المصيبة العظمى والداهية الكبرى أن كلا منهم يفسر الكلام على هواه ! وكل يغني علي ليلاه ! وكل يخرج من دائرة الإسلام من لا يرغب فيه, أو لا يعجبه شكله أو مسلكه !! وكل يصوغ الإسلام علي مقاسه الشخصي, ولا يعبأ بمئات الملايين من المسلمين ! وبكل أسف , فإن البعض يتخيل أن الله تعالي سلمه مفاتيح الجنة والنار , وأوكل إليه إختيار من يسمح له بدخول الجنة , أو يحكم عليه بالخلود في نار جهنم ! أما حامل المفاتيح هذا , فهو الذي سيتربع علي عرش الجنة الأعلى , حتى ولو كان فاسقا , وإن لم يصلي ولم يصم , بل ولو كان يقترف المنكرات والكبائر , كل ذلك لأنه ينتمي الى الطائفة أو تلك ! وما عشت أراك الدهر عجبا !!!
5- تعرض الكاتب مصطفى بركات الى موضوع مله السامعون , لكثرة ما إجتره الأفاكون , وهو موضوع سب الصحابة . وهذه ب مصطفى بركات الى موضوع مله السامعون , لكثرة ما إجتره الأفاكون , وهو موضوع سب الصحابة . ولم يصم , بل ولو كان يقترف المنكراالمسألة لها شقان:
الأول : العقلاء من مسلمين وغيرهم , هل يصح لهم الإعتماد علي الشائعات والتهم ؟ أم لابد من البحث عن الحقيقة؟.
الثاني : تبادل السب واللعن والتكفير بين السنة والشيعة ,هل هي حقيقة قائمة ؟ أم انها من نسج الخيال؟.
في الشق الأول , يوجد بعد شاسع بين موقف الشرع الإسلامي والمنطق السليم , وبين رغبات الناس والبناء علي الأوهام والظنون و الإتهامات العشوائية , وإصرارهم علي ممارستهم لهذه الأفات الخبيثة.
أما الشرع الإسلامي والمنطق السليم فهما يقضيان بوجوب الفحص الدقيق و التبين للحق قبل إصدار الإتهامات الأحكام الجائرة.قال الله تعالى في القرآن المجيد:﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾. قال تعالى :﴿ و ما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن لا يغني من الحق شيئا﴾.و قال تعالى :﴿و ما يتبع أكثرهم إلاّ ظنًا إن الظن لا يغني من الحق شيئا﴾.و قال تعالى :﴿إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلاّ يخرصون﴾.
ومن أمعن النظر في سورة النور وجدها تلقي على الناس دروسا عالية في الأخلاق,و ترسم طريقة مثلى للتعامل مع الشائعات و رفضها جملة و تفصيلا حتى يتبين الحق الصريح.فقد علمنا الله تعالى أن لا ننجرً خلف الشائعات و التهم ,و أن نتخلق و نتأدب بالأخلاق و الآداب التي شرعها القرآن الكريم ,و كانت السمة البارزة في سنة النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم.ففي حادثة الإفك الشهيرة التي تولّى بث الشائعات بشأنها عدد من المنافقين ,إذ أشاعوا كلاما كاذبا في حق السيدة عائشة أم المؤمنين ,مما يجرّح بشرفها و بكرامة رسول الله في آن واحد ,قال تعالى:﴿إذ تلقًونه بألسنتكم و تقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم۞ و لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم۞يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين۞﴾.كان من الطبيعي أن تكون تلك الحادثة للمسلمين درسا لا ينسى ,فيربأون بأنفسهم عن الإنزلاق في منحدرات الأخلاق الشائنة ,و يبتعدون عن كيل التهم بلا تبصّر ولا حساب .لكن ما يدعوا للأسف الشديد أنهم لم يستفيدوا من تأديب الله تعالى لهم ,و من وعظه إياهم أن يعودوا لمثل هذا الأسلوب غير اللائق بكرامة المسلم ,فقد عادوا لما يرونه هينا و هو عند الله عظيم,و راحوا يهتكون حرمات بعضهم البعض, ويكفرون بعضهم لأوهام وخيالات تحكمت بذهنهم المقفل ,و يقتلون الأبرياء بلا ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله!
نحن نعلن على رؤوس الأشهاد ,دون مجاملة لأحد ,ولا خوف من أحد ,ولا طلبا لمصلحة, ولا هربا من مضرة ,و نقول :إن كل من نطق بشهادة أن لا إله إلاّ الله ,محمد رسول الله ,فهو مسلم ,قد عصم دمه و ماله و عرضه,و لا يجوز إتهامه بالكفر ما لم يعلن هو ذلك عن طريق موجبات الكفر كالتراجع عن الشهادتين ,أو إنكار ما أنزل الله من ضرورات الدين. كما نتعامل معه على هذا الأساس ,فنزوجه من بنات المسلمين ,ونأكل من ذبيحته, ونحرّم هتك كرامته و تدنيس شرفه . نعم, عليه أن يؤدي ما فرض الله تعالى من الفرائض ,ولا يقترف أيا من المحرمات و المنكرات . فإن فعل ذلك كان مؤمنا تقيا ,و إن ترك فريضة من غير إنكار لها ,أو إقترف معصية من غير إعلان لإباحتها , كان فاسقا يستحق الذم و العقاب, لكنه إذا مات صلينا عليه كما نصلي على أي مسلم.
سنكون بمنتهى السعادة يوم نسمع أن جميع الفرق الإسلامية تتعامل مع بعضها بهذا النهج الحضاري السليم, فيحكم كل أبناء فرقة على إخوانهم بالإسلام, و يذرون توزيع التكفير بلا حساب, و يتعاطون جميعا على أساس تبادل الثقة و حسن النوايا . و إذا ما صدر أي خطأ من أي منهم لأنه غير معصوم, فعلى الآخرين المبادرة إلى نصيحته للإقلاع عما بدر منه,ليكونوا حينئذ خير أمة أخرجت للناس.
و أقول حول الشق الثاني: أما التكفير فلم تكن هناك عملية تبادل بين السنة و الشيعة. نعم هناك تكفير للشيعة و لأكثر السنة, من قبل فئة واحدة يعرفها الجميع, و هي لات تنظر حتى لسائر مذاهب السنة بعين الإرتياح. فسنة إفريقيا عامة يعانون من ملاحقتهم بالتكفير بسبب إنتمائهم للطرق الصوفية, أو للممارستهم لبعض الشعائر الدينية مثل الإحتفال بالمولد النبوي الشريف, أو الذهاب إلى المقابر لزيارة موتاهم و الترحم عليهم و قراءة الفاتحة لأرواحهم, خصوصا من كان من الأموات صاحب شان في الدنيا , من جهاد في سبيل الله, أو تأسيس طريقة صوفية, أو محاربة للإستعمار و الغزاة, أو غير ذلك مما يجعل الشخص رمزا دينيا او بطلا مرموقا في نظر شعبه. و اما الشيعة كافة و جل مذاهب السنّة فإنهم رفضوا هذا الاسلوب من التعاطي مع إخوانهم المسلمين, و يعتبرون ان كل من نطق بالشهادتين فهو مسلم,فإذا أقام الفرائض و ترك المحرمات فهو مؤمن تقي مرشح للفوز برضى الله تعالى.
و أذكر القارىء العزيز بما أعلنه شيخ الأزهر الشيخ محمد شلتوت رحمه الله في فتواه الشهيرة بأن التعبد بمذهب أهل البيت جائز شرعا, و أن الشيعة- و هم حملة لواء أهل البيت- هم من المسلمين. و تبعه على ذلك عدد من علماء السنة البارزين و المغمورين. و في مطلع سنة 2002 توج مراجع الدين و العلماء في السنغال و موريتانيا هذا الموقف النبيل بإصدار عشر فتاوى , كلها تؤكد على أن مذهب أهل البيت هم من صلب الإسلام, و أنّ أتباعه و حملته هم من المسلمين و أهل القبلة, لهم كل الحقوق و عليهم كامل الواجبات.
وأضيف قولي :إن مما يدعو للأسف الشديد أن تحتاج أية طائفة من المسلمين إلى فتاوى للإعتراف بإسلامها !و متى كان هذا حتى أيام الصراع على السلطة في القرون الأولى من حكومات المسلمين ؟! لقد رحل رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم عن هذه الدنيا تاركا المسلمين بلا مذاهب , ونطق القرآن الكريم بالتحذير من التفرق حيث قال تعالى:﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون ﴾وقال تعالى:﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾.وقال تعالى:﴿ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم﴾.ومن تتبع القرآن الكريم وجد فيه عشرات الآيات من هذا القبيل .ومع ذلك, فقد حصلت فرقة بين المسلمين منذ عهد بعيد ,ثم تأصلت هذه الفرقة حتى باتت جزءا من ثقافة كل طائفة,يصعب التنازل عنها ,و دفع المسلمون جراءها ثمنها غاليا ,سواء من كرامتهم و أمنهم و وحدة صفهم , أو من طمع أعدائهم بهم و بمقدراتهم وأوطانهم.
وأختم هذه الفقرة بنداء صادر من أعماق القلب والمشاعر, وأدعو كل من له أدنى غيرة على الإسلام ,وما تبقى من تمسك بعرى الدين الحنيف و حبل الله المتين,أن يبادروا الى تجميد خلافاتهم ووضعها جانبا ,وأن يقفوا صفا واحدا لمناهضة أعدائهم الذين فغروا أفواههم لإلتهام ما بقي منّا ومن كرامة أوطاننا ,وأدعوهم لاسترداد الحق السليب في فلسطين وسائر بلاد المسلمين التي تتعرض للتهديد والوعيد كل يوم,بحجج واهية كاذبة,وللمحافظة على السؤر المتبقي من ثروات أوطاننا التي يعمل العدو على نهبها ,ونقف أمامه مكتوفي الأيدي لاننبس ببنت شفة.
6- وجاء في مقال التجريح و التحريض للكاتب مصطفى بركات ما يلي:
﴿فإذا كانت الأسرة ضعيفة من الناحية الدينية وبخاصة العقيدية_وهذا حال معظم أسر المغرب العربي _تكون الدعوة للتشيع أسهل و أيسر.﴾وأقول للكاتب:
أ- من الذي قال لك إن الحالة العامة لدى أهل المغرب العربي هي ضعف التدين و خاصة العقيدة؟ بل أقول لك:إن تدين أهل الشرق العربي ليس أفضل حالا من المغرب,فالشعائر الإسلامية تحيى على قدم وساق في المغرب , ومساجد المغرب عامرة بالمصلين .على أن التمسك بأهداب الدين هو الصفة البارزة للمغاربة,وإن كان فيهم من لا يبالي بشعائر الدين و فرائضه ,فإن أكثر من ذلك موجود في غيرهم من مسلمي العرب.و لست أدري إذا كان الكاتب ممن يهتم فعلا بشعائر الدين أم لا .فإن كان فعلا ممن يغار على المجتمع الإسلامي ,فإن شبابنا قدجرفهم طوفان الغزو من دعاة الإلحاد والكفر بوجود الله تعالى.فلماذا أيها الغيور لا تكتب ضد الغزو الفكري الإلحادي؟ لماذا لا تكتب ضد غزو التهتك و الفجور وضياع الأخلاق والقيم ,ذلك الوباء الذي عم العباد وخرب البلاد ؟لماذا لا تكتب ضد الخلاعة و المجون الفاحش الذي تبثه شاشات القنوات العربية؟لماذا لا تحرك ساكنا أمام غزو الأحزاب الكافرة و الفكر المنحرف, الذي لف أبناء بيوت التدين و أبناء العائلات المؤمنة؟ أم أن كل ذلك لا يشكل خطرا على المجتمع الإسلامي؟! لكنني أرى أن مثقفينا و كتّابنا راحوا يرصدون تحركات دعاة الدين وحماة الأخلاق بدلا من الإلتفات الى الخطر الجاثم خلف حدود المقدسات, و المتمثل بالكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين الجريحة, و جيوش البغي و العدوان في العراق , تلك الجيوش التي سمّت نفسها جيوش التحرير من ظلم النظام العراقي, والتي تريد نشر الحرية و الديموقراطية, فكانت وبالا و داء عضالا على الشعب العراقي خاصة و الأمة العربية عامة. وقد فتشت كثيرا في معاجم اللغة لأجد وصفا لائقا بتلك الجيوش, فلم أجد غير أنها كانت مجموعة من قطاع الطرق ,تزعمها مجرم الحروب وناشر الإرهاب رئيس الإمبراطورية الأميركية جورج بوش .
ب- زعمت أن ضعف التدين عند أهل المغرب يسهل عملية الدعوة للتشيع.ولو فرضنا وجود من يدعو للتشيع من أهل المغرب كما تقول ,فماذا سيقول هؤلاء الدعاة لأهل المغرب ؟هل سيخبرونهم بوجود إله آخر غير الذي يعبدون؟أم هل سيبشروهم بنبي آخر غير محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم؟أم هل سيطلبون منهم أن يتركوا الصلوات الخمس ويستبدلوها بصلوات اخرى مبتدعة ؟أم هل سيطلبون منهم التوجه لغير قبلة المسلمين ؟أم هل سيطلبون منهم الصيام في شعبان أو رجب؟أم هل سيطلبون منهم الحج الى غير بيت الله الحرام ؟ كما فعل عبدالملك بن مروان عندما بنى لأهل الشام كعبة في القدس الشريف , و سنّ لهم مناسك الحج هناك طيلة أربع سنوات, أيام حكم عبدالله بن الزبير في الحجاز و العراق!
لا ايها العزيز, إن علماء الشيعة و حكامهم لم يفعلوا ذلك في الماضي, و لن يفعلوه في المستقبل, حتى يقدموا على رب حكيم عادل قاهر, يحكم بين العباد فيما اختلفوا فيه, و أعد للمتقين جنات عرضها السماوات و الارض, ومغفرة منه و رحمة. و أعد للظالمين و المفترين عذابا أليما في نار جهنم و ساءت مصيرا. و إنهم ليسوا دعاة لغير قانون الله تعالى, الذي حوته الشريعة الإسلامية المقدسة عبر كتاب الله عز و جل و قرآنه المجيد, و سنّة نبيه الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم.
7- قال الكاتب:﴿ونتيجة الجدل الذي أثير بعد إعلان السلطات المغربية تفكيك شبكة إرهابية مرتبطة بحزب الله ,فإن هناك من لا يستبعد وجود حزب الله مغربي و جزائري إلخ﴾.
أنا أستغرب كيف أن الكاتب و معه الكثير من أهل الصحافة ووسائل الإعلام يخلطون بين السياسة المعاصرة و قضايا الدين !حزب الله تنظيم سياسي كسائر التنظيمات في العالم عامة وفي العالم العربي خاصة.ليست له علاقة بقضايا التبشير المذهبي ,ولا بالعمل الإسلامي عامة .فلماذا تدخلون السمّ في العسل؟تحدثوا عن حزب الله من الجهة السياسية ,ودعوا الجوانب الدينية .وإذا وجد في الدنيا من العاملين في الحقل الديني ممن يؤيد مواقف حزب الله السياسية و العسكرية ,فهذا لا يعني أن جميع العلماء العاملين كذلك .وعلى سبيل المثال,أنا موجود في السنغال منذ سنة 1969 ,قبل أن تولد الثورة الإيرانية بعشر سنوات, وقبل أن يولد حزب الله بخمسة عشر سنة,وليس لي أي انتماء لهما أو لغيرهما .و قد رسمت لنفسي خطا في العمل الديني منذ اليوم الأول, فلماذا تتصرف معنا الصحافة والإعلام بهذا الأسلوب الرخيص؟ هل يريد الإعلام زرع الفرقة الخبيثة,وإثارة النعرات المذهبية الذميمة ,بين المسلمين في إفريقيا كما زرعها في بلاد الشرق؟أم هي عملية دنيئة لتحريض الحكام على منع العلماء العاملين من ممارسة أبسط حقوقهم في العمل الإسلامي الشريف, بعيدا عن التمذهب و التعصب الأعمى؟و إذا كانت للإعلام غيرة على الدين أو على الأوطان , فعليه أن يفتش عن مصادر الخطر الحقيقي ,من أحزاب أو دول أو منظمات إرهابية حقيقية,تتولى قتل الآمنين و إشاعة الرعب و الخوف في صفوف المجتمع المسكين , هذا المجتمع الذي بات ضحية ثقافة العصر الحديث من إرهاب و قتل و إعلام خبيث و تعصب أعمى.
ثم ماذا تنقمون من حزب الله؟ أنا شخصيّا لا أنتمي لهذا الحزب ولا لغيره كما قلت, دينية كانت تلك الأحزاب أو علمانية, وهو أقدر مني على الدفاع عن نفسه.لكنني أسأل, و من حق كل مسلم و عربي وحرّ في هذا العالم أن يسأل :لماذا هذا الإستهداف لحزب الله خاصة ؟ولماذا وضعتموه على قائمة الإرهاب؟إذا أردنا قول الحق ,فإن الذي نراه بأم أعيننا أن الإسرائليين ومن شايعهم في ظلمهم من الحكومات الغربية قد جعلوا حزب الله على قائمة الإرهاب لأنه وقف في وجه إسرائيل ,وأذاقها مرارة الهزيمة , والذل والعار في أن السلاح الفتاك الذي تحوزه لم يجدها فتيلا,فهي تعجز أمام شباب تترسوا بسلاح الإيمان بربهم ومبادئهم .بعد أن كانت تضحك ملء شدقيها ,وتشرب نخب النصر ,عندما كانت جيوش العرب تهرول أمامها لتحتمي في بيوتها .كذلك فإن حزب الله قد قال لأميركا :لا لسياسة الظلم و الجور و سوق الناس بالعصا... و أميركا لا ترضى أن يعارضها أحد. كيف؟ و هي قد نصّبت نفسها وليّ أمر على العالم الأول فضلا عن الثالث و العاشر. بينما هي لا تتمتع من صفات ولاية الأمر بشيىء سوى السلاح الفتاك. فالعدل و الصدق و الرحمة و الإنصاف و المبادئ و الأخلاق الفاضلة, إلى آخر ما هنالك من هذه القائمة, ليس لها وجود في الذهن الأميركي و لا في قاموسه السياسي.
ثم لماذا هذا القلق من وجود حزب الله في أي بلد عربي؟ أليست بلاد العرب متخمة بالأحزاب الكافرة؟ أليست بلاد العرب مفتّحة الأبواب على مصاريعها أمام كل الأفكار الهدامة و سياسة الترويع, و العرب لا يتفوهون بحرف واحد؟ و ماذا تخافون من حزب الله؟ هل تخافون من إحراجه لكم بمطالبته بتحرير فلسطين, أو دفاعه عن القدس الشريف؟ هل تخافون على عروش الحكام؟ أليست تلك العروش مهددة من جميع الأحزاب الدينية و العلمانية و الكافرة, بل و من أحزاب شياطين العالم و عفاريته؟! ليت انكم تعاملتم باحترام و أدب مع هذا الحزب الذي رفع راية الجهاد بعد أن كانت خامدة, كما تتعاملون مع غيره من أحزاب الكفر و الظلم. ليتكم تعاملتم معه بمنطق ديموقراطيتكم, و أن من حقه التعبير عن رأيه. و أنا متأكد من أنه لن يتدخل بشؤونكم الداخلية, و لن يهز عرشا, و لن يمس بعض الخشب المسنّدة بسوء. و لو فرضنا أنّه تدخّل يوما ما, فإنه سيكون مخطئا, و لكن الخطأ إنما يعالج بالحكمة و اللغة المهذبة, لا بالعنف و زرع الرعب, و الإتهام بالإرهاب و الخروج من الدين, و نشر الشائعات الكاذبة.
8- قال الكاتب: ﴿ فالمرجعية الشيعية اختارت العاصمة السنغالية داكار مكتبا تنفيذيا لتشرف على نشر المذهب بغرب إفريقيا, و قد تم مؤخرا تدشينه بداكار. ﴾
لست أدري عن أية مرجعية يتحدث. و لست أدري ما إذا كان الكاتب نفسه يعلم شيئا عن المرجعية الشيعية. لكنني أقول له: أنا في السنغال منذ 41 سنة و لم أسمع بهذا الخبر لا قديما و لا حديثا, و لا علم لي بان للمرجعية الشيعية وكلاء غيري في هذه البلاد. على أن المرجعية الشيعية لا تتعاطى هذه الأمور أبدا, و هو ما يدعو للأسف. و يا ليت لو ان المرجعية ساعدتنا بفتح مكتب لها, لكنا في راحة مما نعانيه, و لكنّا على مساعدة و لو رمزية تسعفنا في عملنا. لكن مع بالغ الأسف فإن دور المرجعية غائب تماما عن أفق هذه البلاد. و إذا وجد من يتبرع من نفسه ببعض النشاطات فإن ذلك لا يعني تصدي المرجعية لذلك.
9- و قال الكاتب: ﴿ عند نشوب ثورة الخميني لم يكن بالسنغال أثر للتشيع ﴾ ثم قال: ﴿ و الجدير بالذكر ان الديانة الإسلامية هي الديانة الاولى بالسنغال حيث يمثل المسلمون 94% من عدد السكان و يعتنقون المذهب المالكي, بينما يمثل الأقباط 5% فقط من التركيبة السكانية, و يوجد 1% يعتنقون معتقدات أخرى. و يعتبر العام 1969 بداية ظهور التشيع بالسنغال على يد رجل دين يدعى عبد المنعم الزين اللبناني. ﴾.
ما يدعو للحيرة و الدهشة أن حسابات الكاتب ضعيفة إلى درجة وقوعه بالمتناقضات, فهو يقول أولا: ﴿ عند نشوب ثورة الخميني لم يكن بالسنغال أثر للتشيع ﴾ ثم يقول: ﴿ و يعتبر العام 1969 بداية ظهور التشيع بالسنغال على يد رجل دين يدعى عبد المنعم الزين اللبناني.﴾. فهل كانت ثورة الخميني في سنة 1969؟ أترك للقارئ العزيز الجواب على هذه السقطة.
لكنني أود إعلام الكاتب و القارئ أنه لا وجود للأقباط أبدا في السنغال, بل في غرب إفريقيا كله. و لا علم لي بوجودهم في غير مصر و السودان! نعم, توجد في السنغال نسبة من الكاثوليك كانت أوائل الإستقلال 3% و تتراوح نسبتهم اليوم ما بين 10 إلى 15% ,و ذلك بفعل التبشير القائم علنا على قدم وساق. فما هو موقف الكاتب من هذا الأمر؟ وإذا اعتبرنا أن من لا يعبأ بالدين في كل العالم الإسلامي خارجا عن الإسلام, فإن عدد المسلمين سيتقلص إلى ما هو أدنى من النصف. تماما كما هو الحال في أوروبا, حيث إن المسيحية تراجعت خطوات واسعة إلىى الوراء بفعل العلمنة الإلحادية, و عدم اكتراث الناس بدينهم. وأعتقد أن ما تبقى من المسيحية اليوم في أوروبا لا يزيد على مشاعر لا تسمن و لا تغني من جوع, حتى باتت طقوس الدين غائبة تماما عن حياة الناس.
10-الحوزة التي تحدث عنها الكاتب في دكار و يشرف عليها عالم إيراني هو السيّد محمد الشاهدي, فهذا الخبر صحيح , لكنه ليس سرا من الأسرار, فإن العلاقات الجيدة بين إيران و السنغال أثمرت فتح هذا المعهد, و الدولة و الشعب و العلماء في السنغال لا يجهلون ذلك. على ان الإيرانيين هم أقدر الناس على الدفاع عن أنفسهم. إلا أنني أسأل الكاتب: ألا يعتبر تحريضك هذا تدخلا في شؤون السنغال الداخلية؟ أليس ذلك محاولة منك لإحراج السنغال؟ و العمل على الإساءة للعلاقات الودية القائمة بين البلدين المسلمين؟ أليس من الأجدى ان تتحدث عن المنظماتالأميركية و غيرها من المنظمات الوافدة من بلاد الشرق و الغرب, سواء كانت دينية أو كافرة, و تحت أي ستار كان, و التي تخرج المسلمين من دينهم أفواجا أفواجا؟ أم هل إن كل ذلك لا يضر بمصلحة المسلمين و لا يؤثر على تمسكهم بدينهم, ما داموا لا يتحدثون عن آل بيت النبي صلى الله عليه وآله و سلم؟
11-كلية الزهراء مدرسة تملكها المؤسسة الإسلامية الإجتماعية, و هي تعمل منذ قيام المؤسسة في السبعينات. و ليست حوزة دينية كما تحدث الكاتب, و لا هي لنشر التشيع. و إنما هي مدرسة عصرية يتلقى الطالب فيها برامج التعليم الرسمي المقررة في وزارة التربية و التعليم السنغالية, إضافة إلى درسين كل أسبوع لتعليم مبادئ القراءة و الكتابة باللغة العربية, و درسين آخرين لتعليم بعض سور القرآن الكريم القصيرة.
فإذا كان لدى الكاتب أي إعتراض على تدريس مبادئ لغته العربية لغير الناطقين بها, سواء كانوا من أصول عربية أو من غير العرب, أو كان لديه مانع من تدريس بعض سور القرآن الكريم, فإننا على استعداد لاستقباله في هذه المدرسة للإطلاع المباشر على ما يجري, و الإصغاء إلى نصائحه, و استبدال العربية بلغة من لغات الصين أو الهند, واستبدال آيات القرآن الكريم بآيات التلمود أو ما شاكله!!!
عيب أيها الكاتب المسلم, كفى سبرا لأغوار الفتن, كفى بهتانا و اقتئاتا على الناس. أنتم لا تخدمون الإسلام و لا المسلمين و لا البشر و لا الإنسانية بغير النفخ في نيران الفتن و البهتان, فدعوا غيركم يخدم عيال الله. أم تريدون أن ينطبق عليكم المثل الشعبي: ﴿ لن أرحمك, و لن ادع الله يرحمك ﴾ . و فعلا أقول: ماذا قدمتم للسنغال غير هذه الفتن و الإفتراآت؟
12-مؤسسة المزدهر لا علاقة لنا بها من قريب و لا من بعيد, و لا أعلم عنها و لا عن برامجها شيئا, و لم أزرها قط.
13-المؤسسة الإسلامية الإجتماعية موجودة فعلا, أسستها بعد قدومي للسنغال, و لها نشاطات دينية و تربوية و اجتماعية و ثقافية و صحية, لكنها ليست كما تفضل الكاتب بأنها تجمع الداعيات للتخطيط لتشييع النساء , فهذا كذب صراح. على أن ذلك لو حصل, فما هو المانع أيها الغيور على الإسلام؟
14-قال الكاتب: ﴿ و يوجد بجامعة دكار قسم للغة الفارسية افتتحته الحكومة بذريعة دعم العلاقات الثقافية الثنائية, و يقوم بتدريس الفارسية و هو دوره المعلن, و حقيقة الأمر أنه وكر للتشييع. و توجد بمكتبة القسم كتب شيعية فارسية ﴾.
من المؤسف ان الدول العربية لم تفتح معهدا واحدا للغتها في غرب إفريقيا, رغم ما تتمتع به من طاقات مالية هائلة! بينما تجد فيها معاهد لفرنسا و إسبانيا و أميركا و ألمانيا و اليابان و غيرها من دول العالم. فلماذا تنزل السماء على الأرض إذا فتحت إيران للغتها في قلب الجامعة, و بطلب من الحكومة السنغالية أو موافقتها في الحد الأدنى؟
من الذي منع العرب من فتح معاهد للغتهم؟ لكنك يا سيدي ألا ترى ان اللغة العربية باتت تحتاج إلى معاهد بدائية في بلاد العرب, بسبب إنهيار اللغة في كلامهم و كتاباتهم و كتبهم و قنواتهم الفضائية؟ ﴿ المسلسلات المكسيكية ﴾ حتى إنك لتجد شبانا من إفريقيا يجيدون العربية قراءة و كتابة و إلقاء أفضل من المعلمين العرب الأقحاح, و بالطبع أفضل من كثير من قيادات العرب, الذين لو أصغيت لهم عندما يقرأون خطاباتهم المكتوبة لهم, فإنك لن تتمالك نفسك من الضحك, تألما و تأسفا على ما ترى و تسمع, لأن شر المصائب ما يضحك! ناهيك عن أن كثيرا من الشباب الإفريقي ينظمون الشعر العربي الموزون المقفى أفضل من كثير من الشعراء العرب! بل لو أن قنوات العرب فتحت أمامهم باب الإشتراك في مسابقاتها المليونية لحازوا قصب السبق, إن لم نقل لكانت فضيحة كبرى. للفرق الشاسع بين قصيدة الإفريقي العربية السليمة من العيوب و اللحن , و من الإنهيار اللغوي و استخدام العامية بصورة فاحشة بشعة, و بين ما يسمى بقصيدة الشعر العربي التي لا تمت للعربية بصلة , سوى أن ملقيها عربي المولد و النشاة, و أنه ينتمي لهذه القبيلة أو تلك.
لكنني أود الآن أن أعتذر من العرب بقولي: إذا كانوا لا يبالون بلغتهم في بلادهم, و لا يعتنون بها في مدارسهم و تعليم أبنائهم, و ابتعدت اللغة الفصيحة عن قنواتهم الفضائية حتى في كثير من نشرات الاخبار , و بات شعرهم من الدرجة ما بعد العاشرة من لغتهم العامية, فلماذا يصرفون الأموال على معاهد نشر اللغة العربية في غير بلادهم؟ و أنا أعتو بفضل الله تعالى الذي وفقنا لفتح معهد خاص بتعليم العربية, و هو المعهد العربي اليتيم الوحيد في غرب إفريقيا, و هو كما قلت آنفا: مختص بتعليم اللغة العربية. لا كما يروّج و يكذب الآخرون, فينشرون في وسائل الإعلام بأنه معهد لنشر التشيع!
كذلك أود لفت النظر إلى امر ذي أهمية بالغة, و هو أن أبناء إفريقيا من أطفال و شباب و شيوخ, يفدون إلى معهدنا بغية تعلم قراءة القرآن الكريم بلغته العربية, لا قراءة ترجمته لأية لغة أخرى. أما سائر المعاهد الأجنبية فليس لوجودها مبرر من هذه الجهة. نعم, مبرر وجودها هو نشر اللغة اليابانية أو الصينية أو الهندية أو لغات أوروبا و غيرها, لأجل تسهيل التبادل التجاري بين هذه الدول و بين القارة الإفريقية. و أقول للعرب: إذا كانت لا تهمكم لغتكم من حيث كونها وسيلة للتعرف على دينكم و قراءة قرآنكم, فلماذا لا تهتمون بها لتسهيل تجارتكم و تسويق بضائعكم و منتجاتكم, و رفع المستوى التجاري و الإقتصادي بينكم و بين هذه البلاد؟ ربما كان الجواب الصادق عندكم أنكم لا تملكون بضاعة للبيع, و ليست لديكم مصانع حتى تفكروا بتسويق إنتاجها! أما ما رزقكم الله تعالى من نعمة المعادن و البترول , فإنه لا داعي لأن تبذلوا جهدا في تسويقها, فإن الأجانب يتو لون نهبها و تسويقها بلغاتهم, دون حاجة لإستخدام اللغة العربية, فالأجانب قد كفوكم شر القتال, و معاناة التبشير بلغة القرآن .و ليس امام شعوبكم إلا أن ترقد في فراشها و ترفع أرجلها على الجدران و تنشد قصيدة الشاعر العربي العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري حيث يقول في قصيدته التي سماها ﴿ تنويمة الجياع ﴾:
نامي جياع الشعب نامي حرستك آلهة الطعام
نامي فإن لم تشبعي من يقظة فمن منام
نامي تزرك عرائس الأحلام في جنح الظلام
تتنوري قرص الرغيف كدورة البدر التمام
وتري زرائبك الفساح مبلطات بالرخام
نامي فقد أنهي مجيع الشعب أيام الصيام
نامي فقد غنى إله الحرب الحان السلام
نامي جياع الشعب نامي لا تقطعي رزق الأنام
لا تقطعي رزق المتاجر والمهندس و المحامي
نامي تريحي الحاكمين من اشتباك و التحام
نامي توقَ بك الصحافة من شكوك و اتهام
يحمد لك القانون صنع مطاوع سلس الخطام
وتجنبي الشبهات في وعي سيوصم باجترام
و أختم هذا الردّ بنصيحة أوجهها للسيد الكاتب :آمل أن توجه عنايتك الى ما يوحد صفوف المسلمين ,لا لما يزرع الفرقة بينهم ,أو يثير الفتن النائمة ,فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من يوقظ الفتن النائمة.كما آمل أن تهتم بجيوش الكفر و الإلحاد وانهيار الأخلاق التي غزت بلادنا,و دخلت غرف نوم أبنائنا عبر شاشات التلفزة والإنترنت .
و أن تحث في كتاباتك أصحاب الثروات من العرب على الإهتمام بلغتهم, وإنشاء معاهد لغوية في جميع أقطار العالم الإسلامي بغية المساعدة على تلاوة القرآن بلغته ,وفي البلاد غير الإسلامية بغية المساهمة في تنمية التبادل التجاري و مصالح دولنا مع العالم.
كما أوجه نصيحة للسادة القيمين على هذة المجلة أن يرفضوا كل الكتابات التي تكتب من خلفية التعصب الأعمى ,وكل ما يثير النعرات المذهبية و الفتن بين أبناء الملة الواحدة.وأن يتحققوا من صحة ما يكتب قبل نشره,لتبقى هذه المجلة محافظة على مصداقيتها عند القراء. و لأن أمتنا باتت تئن تحت وطأة التمزق و التباغض و التكفير بلا مبرر يرتضيه العقل و الوجدان.
رئيس المؤسسة الإسلامية الإجتماعية
الشيخ عبد المنعم الزين
