01‏/05‏/2011

الإصلاح و التمرد المسلح و الإرهاب التكفيري

منذ الأسبوع الأول لما عرف بالاحتجاجات السلمية في سورية برزت بوادر تمرد مسلح يستظل المطالبة بالإصلاح من خلال استهداف قوى الأمن التي صدرت إليها أوامر رئاسية بعدم استخدام السلاح بل إن بعضا من وحداتها أنزل إلى الشوارع بدون أسلحة أو ذخائر.
أولا منذ الأسبوع الأول برز الانتقال إلى التمرد المسلح ، في ظل التجمعات الشعبية التي ترفع مطالب تعاملت معها السلطات بالحوار والتجاوب و بالتصميم على مباشرة تنفيذ الإصلاحات.
الانتقال إلى التمرد المسلح كان تعبيرا عن مأزق يواجه القوى السياسية المنظمة التي تقف خلف التحركات في سورية وهي باتت معروفة بكل وضوح كما بات معروفا أنها محتضنة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وكل من جهاز بندر السعودي ودولة قطر وقوى 14 آذار اللبنانية بالإضافة إلى تركيا صاحبة الموقف المتلعثم مما يجري في سورية.
و قد تجسد المأزق بعدم قدرة المنظمين والمحرضين وعلى الرغم من حجم الإمكانات الهائلة التي وضعت بتصرفهم على تصعيد التحركات الاحتجاجية واستقطاب حشود شعبية كبيرة و خصوصا في عدم قدرتهم على استجرار تحركات في دمشق وحلب بينما لم تتعد التظاهرات في حجمها بضعة آلاف في ذروتها في محافظة درعا أو في الحسكة وبانياس و ظلت أعداد المشاركين بالمئات في سائر أنحاء سورية، كما برز الدور المحوري لتنظيم الإخوان المسلمين وجماعات التكفير في كون المساجد يوم الجمعة مركز انطلاق التحركات في الشارع السوري.
هذه الصورة أظهرت حدود قدرة التحالف الدولي والعربي على إثارة اضطرابات داخل سورية باستغلال مناخ عدوى الاحتجاجات العربية و مع ضخ الحد الأقصى من عمليات التعبئة والتحريض التي بلغت ذروة غير مسبوقة في خطب الشيخ يوسف القرضاوي المكرسة لإثارة فتنة طائفية داخل المجتمع السوري.
ثانيا انتقلت القوى المحركة إلى التمرد المسلح وحشدت في سبيل تحقيقه كميات ضخمة من المال والسلاح تدفقت إلى سورية عبر الحدود اللبنانية والأردنية والعراقية و سرعان ما تكشف الأحداث عن دور حاسم على الأرض لمجموعات الإرهاب التكفيري سواء بالشعارات التي ترددت في بعض مساجد درعا وحمص وبانياس واللاذقية أم من خلال الهتافات المؤسسة لفكرة الحرب الأهلية في سورية بطابعها التناحري بين الطوائف و الجماعات الدينية المكونة للشعب السوري ، وذلك كله ما توج بعمليات الخطف والقتل والتمثيل بالجثث التي استهدفت عشرات الضباط والجنود في الجيش السوري وفي قوى الأمن والشرطة.
ثالثا يحاول الغرب في تعامله مع الأحداث أن يتجاهل هذه الحقائق وأن يركز على موضوع الإصلاحات لأنه يعتبر أن إدخال القوى التابعة له إلى معادلة شراكة جديدة في السلطة السورية سيؤمن مواقع ضغط وتأثير على الخيار السوري الإقليمي وخصوصا فيما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي ودعم حركات المقاومة، فالتعبير العملي عن الإصلاح كما تعرضه الجوقة المواكبة لخطة تخريب سورية هو الحوار مع الإخوان المسلمين وخدام ومجموعات يسارية هامشية تعمل تحت قيادة هذا الثنائي.
لكن الحقيقة البارزة هي أن الإرهاب التكفيري الذي ظهر في سورية وتبين أن لديه خلايا منظمة وترسانة عسكرية لا يستهان بها هو نفسه الذي سبق أن واجهته الدول الغربية واستعانت بسورية في تفكيكه ومكافحته ، وليس مفاجئا أن يظهر الإرهاب التكفيري في عيون القوى الاستعمارية مرة بوصفه حالة تشكل خطرا سياديا وأمنيا تستحق المطاردة كما هي الحال في الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة ومرة أخرى يسمى رواده بأبطال الحرية كما حصل إبان الحرب على الجيش السوفيتي في أفغانستان حيث منح التكفيريون الأوسمة الأميركية الأرفع داخل البيت الأبيض وبيد الرئيس الأسبق رونالد ريغان.
رابعا لا يمكن لعاقل أن يصدق ادعاءات الحرص الغربي على الإصلاح في سورية و لا مزاعم الحرص على حقوق لإنسان و لعل المجزرة المسوغة في البحرين ضد شعب أعزل بدافع حماية الملكية الأتوقراطية السعودية هي دليل على تلك الحقيقة .
الغرب يستعمل الإرهاب التكفيري وتنظيم الإخوان المسلمين لتركيع سورية ولذلك فهو حين يدعو إلى تسريع الإصلاحات يعرض بالمقابل مساومة تتعلق بلائحة شروط كولن باول التي رفضها الرئيس الأسد بعد احتلال العراق.
الإرهاب التكفيري هو ذاته في نيويورك وباريس وكذلك في درعا وليس خافيا أبدا أن جناح القاعدة البندري الذي استعمل في العراق هو نفسه يستعمل داخل سورية والهدف واحد في خدمة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، خصوصا وقد جاهر الإسرائيليون في الأيام الماضية بأنهم يراهنون على استنزاف سورية وإخضاعها لشروطهم بنتيجة ما يجري على أرضها من أحداث.
التصميم الذي يبديه الرئيس الأسد على مواصلة الأجندة الوطنية للإصلاح يواكبه الحزم الطبيعي لحماية الوحدة الوطنية في تحرك الدولة المركزية لإخماد التمرد المسلح ومطاردة جماعات التكفير الإرهابية التي تتحرك في سورية وتحظى بدعم خارجي ومهما قيل غير ذلك فهو ليس سوى ضباب التضليل المطلوب لحجب حقيقة الصراع الدائر مع سورية تحت شعارات واهية.
وكالة اخبار الشرق الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.