21‏/01‏/2015

تضامنا مع إنسانيتنا... قبل "حزب الله"


قد لا أوافق على مواقف «حزب الله» كلّها، ولكن بالتأكيد لا يمكنني تقبّل حقد مناوئيه، خصوصاً من اللبنانيين.

قد لا نوافق على قتال «حزب الله» في سوريا، وقد نوافق، إنّه موقف سياسي صرف. لكن أن توضع القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة في سلّة الاصطفاف السياسي، ويتمّ البناء عليها بتعليقات ومقالات عنوانها ومضمونها الشماتة والتشفّي، فإنَّ في الأمر شناعة وقبحا لا مثيل لهما. وليس المطلوب تضامناً سياسياً وعسكرياً وأمنياً مع «حزب الله»، فهو بالنتيجة حزب له مؤيّدوه وخصومه وأعداؤه. لكن لا يمكن وضع ناسه في عجلة الحقد السياسي، والمطالبة بحجب أي تضامن إنساني مع عائلات لبنانية فقدت أحبّتها.
لا يمكنني أن أتقبل مواقف إعلاميين لبنانيين يكتبون رسائل حقد عبر صفحاتهم الإلكترونية، ويدعون إلى مقاطعة تشييع شبان لبنانيين يبكيهم الآلاف، ويلفّ حزنٌ عميق أهلهَم وأقرباءهم وبيئتهم الاجتماعية برمّتها، ويلقون تضامن الكثيرين معهم. دعنا من الحزبيين، أليس لهؤلاء عائلات مفجوعة؟ فكيف يمكن الدعوة لحجب التعزية والمؤاساة عنهم؟
ومن النماذج المرفوضة ما نقرأه (على سبيل المثال لا الحصر) على صفحة إعلامي أردني شهير يتساءل بأنّ ردّ «حزب الله» طال كثيراً على اغتيال قائده العسكري عماد مغنية، وبعد مقتل نجله جهاد في القنيطرة هل سينتظر «حزب الله» موت الحفيد ليردّ؟ هل يمكن أن تُدمِّر السياسةُ القيمَ الإنسانية والأخلاقية إلى هذا الحدّ؟
الشماتة والسخرية من الموت فجور أفظع من أخطاء «حزب الله» كما يوصّفها هؤلاء، فكيف إذا كان الضحايا الستّة من اللبنانيين سقطوا بنيران إسرائيل؟ وَلِمَ لَمْ يذكر أحد من الإعلاميين «المنتفضين» و «المنقبضين» جرائمها بحقّ لبنان وفلسطين وشعبهما؟
قد يقول قائل هذا ما جناه «حزب الله» على نفسه. مردود هذا القول، إنّها لعبة سياسيّة وعسكريّة تخوضها محاور دوليّة عدّة، ولعبة أمم انخرط فيها «حزب الله» وجمهوره كما انخرط سواه في لعبة مختلفة. وسواء أخطأ هذا الجمهور أو أصاب، فإنه جمهور لبناني يستحقّ المحبة والاحتضان. فإذا وقع اعتداء على الضاحية الجنوبية أو على جنوب لبنان أو على طرابلس أو حتى على القنيطرة فإنّه يطال بالدرجة الأولى عائلات لبنانية ستتأثر لأعوام بفقد الأب والابن والزوج والأخ.
مقيتة هي تعليقات البعض في خضم مراسم التشييع، خصوصاً إن كانوا صحافيين وإعلاميين، وخبيث جدّاً إقحام موضوع ملكة جمال تستغبي الرأي العام في موضع متقدّم على قتل إسرائيل للبنانيين؛ ومقرف جداً الدفاع عن محام تطرّف في رأيه ثمّ الإقدام على رجم كلامي لعائلات فجعت بأحبائها وهم يقومون بما يرونه واجباً من وجهة نظرهم؟
ليس مطلوباً تأييد «حزب الله» في كلّ أفعاله، بَلِ التضامن مَعَ ذواتنا الإنسانية وإيماننا وتقاليدنا والأخلاق والقيم التي تربينا عليها، ووضع خط فاصل بين مواقفنا السياسية والمشاعر الإنسانية. في النهاية إنها لعبة أمم محمومة، ودول ستتقاتل لمئات السنين، وليس منطقياً أن ننخرط في حروبها حتى نفقد ذواتنا.
السفير اللبنانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.