04‏/12‏/2010

إسرائيل: حذار أن تضيع فرصة المحكمة

تُصرّ تل أبيب على حجز مقعدها في الصفوف الأمامية على مسرح القرار الاتهامي الدولي بحق حزب الله. إصرار لا يلغي قلقها من تداعيات القرار على وضع الجبهة مع لبنان، وهي الجبهة التي يواصل قادة الجيش الإسرائيلي التذكير بخطورتها المتنامية، وإن برّدها الردع في الوقت الراهن

حذارِ نجاح التسوية العربية في تعطيل القرار الاتهامي. موقفٌ يبدو قريباً في لحنه من هواجسَ غيرَ معلنةٍ لجهاتٍ لبنانيةٍ وعربيةٍ ترى في تجريم حزب الله باغتيال الحريري فرصتها شبه الوحيدة للبقاء في دائرة الضوء والتأثير. لحسن حظ هذه الجهات (أو لسوئه) أن ثمة حليفاً خفياً لها يقول ما تخشى هي التصريح به ويعبّر بلغة واضحة عما تهمس به في الحلقات المغلقة. حليفٌ يخاف من ضياع الفرصة التي يوفرها له القرار لتطويق عدوه اللدود، حزب الله، بقدر ما يتخوف من انعكاسات القرار على وضعية الهدوء الحذر التي تظلل جبهته مع لبنان.
وفي جديد فصول التعليقات الإسرائيلية المواكبة لمسار المحكمة الدولية، برز أول من أمس موقف إسرائيلي لعله الأكثر وضوحاً منذ ارتفاع حرارة النقاش في هذه القضية في الأشهر الأخيرة. الموقف الذي جاء على لسان الرئيس السابق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، تساحي هانغبي، أعرب عن الأمل في أن تفتح المحكمة الدولية الحساب مع حزب الله وفي عدم تضييع هذه الفرصة من خلال نجاح الجهود العربية التي تبذل في سبيل إنتاج تسوية «ستحرم إسرائيل فرصةً ذهبيةً دونَ الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله».
ووفقاً لهانغبي، الذي شغل منصبه السابق حتى قبل أسبوعين، فإن «إسرائيل معنية بأن يتمكّن المجتمع الدولي من محاكمة قتلة الحريري. وليس المهم أن يسلَّم اللبنانيون منفذي الجريمة، بل إنَّ الأكثر أهمية هو وضع حزب الله على خشبة المحاكمة الدولية كحزب إرهابي قتل الزعيم المحبوب والشعبي في لبنان». وعن المفاعيل العملية لهذا الأمر من وجهة نظر إسرائيل، يرى القيادي في حزب كاديما أن «الكوابح التي ستُفرض على حزب الله بعد اتهامه بقتل الحريري ستضعفه على المدى القريب والبعيد». ولأن الرهان الإسرائيلي على المحكمة هو هذا، فإن على تل أبيب، بحسب هانغبي، أن تكون قلقة «من الضغوط التي يمارسها حزب الله على سعد الحريري لتهدئة الأمور».
كلام المسؤول الإسرائيلي جاء خلال ندوة تلفزيونية طويلة خصصت لمناقشة التقرير الذي بثته محطة «سي بي سي» الكندية عن نتائج التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ندوة تخللتها آراء لمعلقين وخبراء وصف بعضها الوضع اللبناني بالهدوء الذي يسبق العاصفة، داعياً إلى الحذر في التعاطي مع الملف اللبناني والحرص على حصر المشكلة بين اللبنانيين أنفسهم مع تجنُّب إظهار أي دور إسرائيلي في الموضوع.

وفي السياق، رأى مراسل الشؤون العربية في القناة الأولى، عوديد غرانوت، أنه «إذا أدَّت ضغوطُ حزب الله إلى إخضاع الطرف الآخر وعدم نشر القرار الظني أو أن تَصدر استنتاجات غير ملزمة لحزب الله بالاعتراف بالتهمة، فإنه سيزداد قوة، وهذا ما يجب على إسرائيل أن تقلق منه... تعاظم قوة حزب الله».
وخلصت هذه الآراء إلى أن أي جهة لن تستطيع منع القرار الظني أو الحؤول دون محاكمة المتهمين حتى غيابياً، ورأت أنَّ حجم ردّ فعل حزب الله يشير إلى مدى الأضرار التي ستلحقها به المحكمة الدولية.
وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، قد تطرق إلى التداعيات المحتملة للقرار الاتهامي حال صدوره على الجبهة الشمالية لإسرائيل، مستبعداً أن يؤدي إلى تصعيد الأوضاع فيها. ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أشكنازي قوله، خلال جولة تفقدية قام بها أول من أمس في مركز التجنيد في تل هشومير: «نحن في هذه المرحلة نلاحظ رغبة بالحفاظ على الاستقرار في لبنان. السيناريو الذي تتوجه فيه تأثيرات القرار نحو حدودنا الشمالية هو سيناريو ضئيل المعقولية».
وأضاف: «يمكن أن يكون لإعلان التقرير تأثير على الاستقرار الداخلي في لبنان. وإذا كان القرار من النوع الذي يعرف حزب الله كيفية التعاطي معه، عندها يمكن حفظ الاستقرار السائد حالياً». رغم ذلك، أبدى أشكنازي تحفظاً على استنتاجاته عبر التشديد على أن «ثمة تطورات، والوضع ديناميكي. وأعتقد أنه عموماً كل اللاعبين في المنطقة معنيون بالحفاظ على الاستقرار».

آيزنكوت: الشيعة في المهداف

من جانبه قال قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي آيزنكوت، إن حزب الله تعاظم جداً منذ حرب لبنان الثانية، زاعماً أن هناك عشرات الشاحنات التي تعبر يومياً من سوريا إلى لبنان، وتحمل عتاداً مدنياً وعسكرياً لحزب الله، فيما دعا وزير الدفاع، إيهود باراك، إلى عدم الوقوع في الهلع من القدرات الصاروخية التي يمتلكها أعداء إسرائيل.
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن آيزنكوت قوله خلال حلقة دراسية في مركز أبحاث الأمن القومي بجامعة حيفا أمس إن «فرضية العمل لدينا هي أن كل ما هو موجود في المخازن السورية ينتقل إلى حزب الله. ويدور الحديث أحياناً عن 100 شاحنة في اليوم. بعضها يحمل عتاداً مدنياً وبعضها يحمل عتاداً عسكرياً». ورأى الجنرال الإسرائيلي أن الجبهة الشمالية كانت الأكثر هدوءاً منذ تأسيس إسرائيل على مدى السنوات الأربع الماضي الأكثر. «لكن من جهة ثانية، واضح أن القدرة السورية لم تتضرر عموماً منذ حرب يوم الغفران، وحزب الله تعاظم جداً منذ انتهاء حرب لبنان الثانية». وإذ شدد على أن الطريقة الأساسية لإبقاء الهدوء على حاله تتمثل «بردع قوي من جانب الجيش الإسرائيلي»، رأى أن «مركز الثقل الحقيقي لحزب الله هو السكان الشيعة في لبنان، لا إيران أو سوريا. وبعد المواجهة الأخيرة، من الواضح لإيران أن حزب الله سيدفع ثمناً باهظاً في مركز الثقل هذا إذا قرر تهديد إسرائيل».
وكشف آيزنكوت «المفهوم الأمني الإسرائيلي» الذي تبلور في الأعوام الأخيرة، ووفقاً له «لا يمكن مواجهة الإرهاب من خلال الردع فقط، بل عبر السيطرة على الميدان»، لافتاً إلى النجاح الذي حققه الجيش في الضفة الغربية وقطاع غزة جراء تطبيقها هذا المفهوم.

وعن أسلوب مواجهة حزب الله في الحرب المقبلة، قال آيزنكوت إن الجيش الإسرائيلي «سيعمل أولاً وأساساً على تعطيل التهديد (الصاروخي) الذي يمثّله الحزب، وبعد ذلك سيحرص على إخلاء السكان، ومن ثم يصبح بالإمكان استعمال كل أنواع الذخيرة ضد القرى» في جنوب لبنان. وفي ما بدا أنه حرص على إعطاء هذا الأسلوب مبرراتٍ سياسية وعملانية، جدد آيزنكوت اتهامه الحزب بالتموضع داخل القرى الجنوبية، كاشفاً عن أن ممثلي الجيش الإسرائيلي عرضوا في لقاءات جرت مع ممثلي الجيش اللبناني واليونيفيل في الناقورة خريطة تظهر الانتشار العسكري لحزب الله داخل القرى، مضيفاً: «لقد قلنا لهم إن هذا يحصل بتغاضٍ منهم. وإذا تدهور الوضع، فهم يتحملون مسؤولية ذلك. نحن لا نستخدم المدنيين كرافعة، حزب الله فرض هذا الوضع بطريقة تسلّحه».
وبرغم ذلك، رأى آيزنكوت أن فائدة القرار 1701 أكبر من الضرر «فجنود اليونيفيل يقومون بعمل جيد، ولا سيما في المناطق المفتوحة. ونحن لم نكن نتوقع شيئاً من الجيش اللبناني، فصحيح أنه لم يقم بالكثير، لكن له أهمية أيضاً».
من جهة أخرى، لفت آيزنكوت إلى أن الهدف من منظومات الاعتراض الصاروخي التي تطورها إسرائيل، ومن بينها «القبة الحديدية» هو حماية قواعد الجيش لا المواطنين. وقال موضحاً: «لا يتوهم أحد من سكان إسرائيل أن أحداً ما سيفتح لهم مظلة من فوق رؤوسهم. هذه المنظومات معدة للدفاع عن قواعد سلاح الجو، سلاح البحر، وقواعد التجنيد، وذلك للحفاظ على القدرة الهجومية للجيش الإسرائيلي، حتى لو كان هذا يعني أن الأيام الأولى للحرب ستكون غير مريحة للمدنيين».
من جهته، دعا إيهود باراك الجمهور الإسرائيلي إلى الثقة بقدرات الجيش الإسرائيلي على حسم الحرب المقبلة خلال وقت قصير، مشدداً على ضرورة التزام تعليمات قيادة الجبهة الداخلية لتقليص مخاطر تعرض السكان للإصابة. وقال باراك خلال زيارة قام بها أول من أمس لمقر شركة الصناعات العسكرية في «رمات هشارون» إن «أعداء إسرائيل يملكون صواريخ بكميات أكبر من السابق «وهي تغطي حالياً كل أراضي الدولة، بما فيها غوش دان (منطقة الوسط)». أضاف: «مع ذلك، أنا أقول للجميع لا تكونوا مرعوبين. صحيح أن هذا الأمر موجود... لكن طوال هذه المدة نحن نعلم من تجاربنا المباشرة، وأيضاً من تحليل التهديدات، أنه في اللحظة التي يستمع فيها المدنيون للتعليمات ويكونون داخل منازلهم، في الأماكن المحصنة وفي الغرف المحمية أو الملاجئ، فإن الخطر على الحياة والأخطار المحيطة سيكون منخفضاً جداً ولن يكون هناك داع للقلق».

الجمهوريون «يسنّون» أسنانهم لدعم حلفائهم

نعم، حاول رئيس الجمهورية ميشال سليمان تحريك الجمود الداخلي بحوارات ثنائية، مع دفعة أولى من أقطاب الحوار بالجملة، شملت أمس الرئيس أمين الجميّل، نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، الرئيس نجيب ميقاتي، العماد ميشال عون، الوزير جان أوغاسابيان والنائبين سليمان فرنجية وأسعد حردان. وبررها المكتب الإعلامي في بعبدا بأنها «تهدف إلى ترسيخ التهدئة والاستقرار وإيجاد حلول للوضع القائم بالتفاهم والتوافق بين الأفرقاء وإخراج البلد من حال الجمود المسيطر، وإرساء الأجواء المواتية لإعادة تفعيل عمل مؤسسات الدولة وإداراتها لتسيير شؤون المواطنين، وكذلك لاستئناف اجتماعات هيئة الحوار الوطني»، فيما ذكرت مصادر أن سليمان يريد من خطوته استطلاع الآراء في المخارج الممكنة لملف شهود الزور، وبالتالي إعادة إطلاق جلسات مجلس الوزراء وهيئة الحوار.
نعم، لا تزال أخبار مساعي الـ«س ـــــ س» تتضارب بين الهبّات الباردة والساخنة، وإن كانت إحدى السينَين قد استقبلت أمس المعاونين السياسيين للأمين العام لحزب الله حسين خليل، ولرئيس مجلس النواب علي حسن خليل اللذين التقيا وزير الخارجية وليد المعلم.
لكن بين المشاورات التي واكبتها أمس قوى 14 آذار بأكبر حملة دعوات إلى «تيسير» عمل المؤسسات الدستورية، والمساعي التي لم تعرف نتيجتها حتى الآن، ظهر ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن، في واشنطن أمس، مستحصلاً على بيان من النائبة الجمهورية إيليانا روس ليتينن التي ستتولى الشهر المقبل رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، تضع فيه أمن الولايات المتحدة مع المحكمة الدولية!
فالنائبة الأميركية بدأت بإبداء مخاوفها من «تنامي نفوذ حزب الله وخطره»، قائلة إن الحزب «يعيد تسلحه بكثافة بمساعدة إيران وسوريا، والحكومة اللبنانية تزداد تبعية لإيران وسوريا، والخط الفاصل بين القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله يزول تدريجاً». ثم تحدثت عن قلقها «من عدم نجاح الجهود الأميركية والدولية في لبنان في تحقيق الأهداف الأساسية المتعلقة بالسيادة اللبنانية والأمن الإقليمي»، لتخلص إلى القول: «علينا حماية أمن الولايات المتحدة وحلفائنا ودعم سيادة لبنان وضمان إدانة المسؤولين عن اغتيال رئيس الوزراء (الأسبق رفيق) الحريري».
ولم يعرف ما إذا كانت ليتينن ولارسن هما من قصده رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع بالقول إن الأزمة اللبنانية لا تعني إلا الأطراف اللبنانية، وإن الدول الخارجية «غير قادرة على التدخل في مسألة داخلية هي المحكمة الدولية التي ينقسم حولها الطرفان اللبنانيان».
وطبعاً لا يزال رئيس الحكومة طائراً من عاصمة إلى أخرى، مشدداً على الحوار اللبناني، فيما نوابه في بيروت يرون أن «الفريق الوحيد الذي في إمكانه إشعال توتير حقيقي هو من يملك القوة والسلاح»، وأن «أي فتنة في الشارع لا يمكن أن يفتعلها إلا «حزب الله»، لكن لا مصلحة له في ذلك».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.