12‏/01‏/2011

" ممكن تحقيق شخصية لو سمحت ؟ "

هكذا قال لي الضابط المحترم (والذي يرتدي زيا مدنيا) وأنا ما زلت بعيدا عن إحدى كنائس القاهرة في ضاحية مصر الجديدة .

لن أزعم أن سؤاله كان مفاجئا بالنسبة لي ، ولكني لن أزعم إنني – رغم توقعي للسؤال – بسب علمي المسبق بتشديد الإجراءات الأمنية حول الكنائس بسبب تفجير كنيسة القديسين في مطلع عام 2011 ، وبرغم توقعي للسؤال ، إلا إنني قد تفاجأت !

لا أدري كيف !

لقد تعلمت من هذا الموقف أن المفاجأة التي تأتي للإنسان وهو يتوقعها ، أكبر من المفاجأة التي تأتي وهو لا يتوقعها !

لقد كانت لحظة من لحظات العمر !

حين أخرجت تحقيق شخصيتي ، ونظر فيها الضابط ، قال لي : " رايح فين يا أستاذ عبدالرحمن ؟ "

من شدة المفاجأة أيضا ، تلعثمت !

قلت له : رايح احضر القداس .

قال لي : تبع مين ؟

تلعثمت !

قال لي : يعني حضرتك تبع مين ؟

قلت : مواطن مصري يا بيه !

قال لي : صحافة يعني ؟

قلت له : لا ...!

قال لي : أمال رايح فين ؟

قلت له : رايح أحضر القداس مع إخوتي المصريين الأقباط ، وإذا كان هذا يضايقك بأي شكل من الأشكال ، فقل لي ...!

سألني : يعني عايز تدخل جوه الكنيسة ...؟قلت له : لا ... سأقف في الخارج ...

قال لي : تفضل !

حاولت أن أتجاهل هذا الموقف ، وحاولت أن أتغلب على غصتي في نقطة التفتيش الثانية والتي كانت قريبة للكنيسة ، وحاولت أن لا أفكر فيما حدث فيما تلا ذلك من أيام ، ولكنني فشلت !

لقد كان ما حدث مهينا ، ليس على الصعيد الفردي ، ولكن على الصعيد الوطني القومي !

مهين ، لأننا عجزنا عن تأمين هذه الكنائس .

مهين ، لأننا عجزنا عن تأمين أنفسنا وأبنائنا وإخوتنا ضد فيروس الطائفية .

مهين ، لأننا نرى كل ما حدث ، ولا نستطيع أن نوقف الانهيار .

إن أسوأ ما في هذا الحدث ، أنه ليس الفصل الأخير في مسلسل الفتنة ، بل هو فصل ستليه فصول وفصول ، وستذكرون ما أقول لكم في تفجير آخر قريب !

إن انهيار أداء الدولة المصرية يجعلني أصل إلى يقين أن مصر ليس أمامها سوى خيار من اثنين ، إما أن يأتي التغيير بأيدي الناس ، وإما أن يستمر الانهيار في كل المجالات حتى نرى المنطقة الخضراء بالقاهرة !

والمنطقة الخضراء - لمن لا يعرفها - هي منطقة مسورة ، أقامها الاحتلال الأمريكي في وسط بغداد ، منطقة مسورة ، فيها المكاتب التي تدير البلد ، وفيها يتم تأمين المسؤولين والسفراء وغيرهم ، والحكومة تؤمن هذه المنطقة فقط ، لأنها لا تستطيع أن تؤمن البلد كله ، لذلك تركز قدراتها الأمنية في مكان واحد ، وذلك يجعله عرضة أكبر لصواريخ المقاومة وعملياتها العسكرية ...!

قد يظن البعض إن هذا الأمر بعيد ، ولكني أقول لمن يظن ذلك ، قد كان لنا من قبل إخوة في العراق يظنون هذا الأمر بعيدا ، وها هم الآن يعيشونه واقعا مريرا بعد أن دمرت مجموعة من الطغاة مكتسبات شعب عظيم .

إن الاستبداد هو أس المصائب ،  وبوابة كل شر ، وعدو كل خير .

أن خلاصة الدرس العراقي بسيطة واضحة ، الاستبداد هو الذي يؤدي إلى الاستعمار !

قد يحسب البعض أن الكاتب يهول في الأمور ، ولكني أقول إن الأمر بعيد كل البعد عن أي تهويل ، إنها محاولة لاستشراف المستقبل ، مع الاتعاظ بما يجري حولنا من مآس وأحداث .

أما الانتظار في غفلة حتى نرى أسوار المنطقة الخضراء في القاهرة ، فهو أمر يا يقوم به إلا خائن للأمانة الوطنية .

يا أهل مصر ...

احذروا ، وأفيقوا ...

فالأمر أخطر مما نظن جميعا ...

ليس أمام المصريين إلا أن ينضموا لتيار التغيير ، وإلا فانتظروا الأسوأ ...ولا أرى الأسوأ بعد أن وصلنا لهذا الانحطاط إلا فتح أبواب الجحيم على الجميع ...!

والله يسدد الخطا ...

 

عبدالرحمن يوسف

arahman@arahman.net

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.