22‏/03‏/2011

الدستور الماليزي - إياد حرفوش

نقول مصر مدنية، ويقول السلفيون بل مصر إسلامية، ويقول الإخوان مدنية بمرجعية دينية (عروستي؟)، وتسود عبارة لم تختبر: مش احنا المسلمين أغلبية؟ ولو احتكمنا للصندوق زي السيد "عصام العريان" ما بيقول هنعمل اللي احنا عاوزينه؟ ليه متبقاش مصر دولة إسلامية زي باكستان أو السعودية أو إيران؟ أقولكم ليه ماينفعش، تعالوا نشوف الدول الإسلامية على مستوى العالم، تركيبتها السكانية عاملة إزاي، وإيه ظروف تكوينها ووضعها الحالي، ونقارن ده بأحوالنا في مصر

الدول الإسلامية السبعة
العالم فيه 7 دول إسلامية، ودستورها ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول للتشريع، الدول دي مين؟ وتركيبتها السكانية عاملة إزاي؟ وظروفها إيه؟
1.    المملكة العربية السعودية: مملكة إسلامية، 100% مسلمين، والإسلام على المذهب الوهابي السلفي هو أساس السيطرة على المملكة، بناء على الاتفاق التاريخي بين آل سعود وآل الشيخ، ومالهاش دستور من أصله
2.    جمهورية باكستان الإسلامية: 98% مسلمين، ودي تأسست على أساسا ديني لأنها كانت جزء من الهند وانفصلت عنها علشان الاختلاف الديني مع الأغلبية الهندوسية، ودستورها إسلامي من 1956م
3.    جمهورية إيران الإسلامية: 98% مسلمين، جمهورية مؤسسة على ثورة قادها رجال الدين الشيعة بقيادة آية الله الخميني سنة 1979م ضد الشاه، وتلاها بث مبدأ ولاية الفقيه في دستور الدولة، وما ترتب عليه من عزل دولي
4.    جمهورية أفغانستان الإسلامية: 99% مسلمين، وقصة طالبان والقاعدة والأحوال فيها بوجه عام معروفة، ودستورها إسلامي من 2001م وقبله كانت محكومة بفصايل المجاهدين
5.    الجمهورية العربية اليمنية: 99% مسلمين، وكلمة جمهورية إسلامية في دستورها مجردة من أي معنى حقيقي
6.    جمهورية الصومال: 100% مسلمين، وبقت جمهورية إسلامية فعليا بعد الحرب الأهلية بين القبايل في 1991م، وظهرت محاكم شعبية تقطع الأيدي وترجم وهكذا، وأعلنت الدولة إفلاسها رسميا
7.    جمهورية موريتانيا الإسلامية: 99% مسلمين، ودستورها إسلامي من سنة 1958م، وما شاء الله لسة فيها سوق جواري

أما تركيا، واللي فيها نسبة 98% مسلمين، فوضعها مختلف، النموذج التركي الناجح مش دولة إسلامية وإن كان يحكمها حاليا حزب مرجعيته إسلامية هو العدالة والتنمية، لكن دستورها مدني تماما، خاصة بعد التعديلات اللي شالت منه نزعة أتاتورك المتطرفة ضد الدين

الهوية المصرية
مصر نسبة المسلمين فيها 88% ونسبة المسيحيين 12%، لا المسلمين "ضيوف" ولا المسيحيين "أهل ذمة"، ومفيش تمايز عرقي بينا، يعني المسلم والمسيحي جايين من نفس الجدود، ماحدش مهاجر ولا وافد علشان نقارن وضعه بوضع المسلمين في فرنسا، ولا احنا دولة مكونة من دين واحد بالأساس زي الدول السبعة علشان نقارن نفسنا بيها، فضلا عن كل ده فوجدان كل مصري عبارة عن عناصر متضافرة من الإسلام والمسيحية والتراث المصري القديم بعيدا عن ديانته، عبارة "اللي ف القلب ف القلب" أصلها من عصور الظلام "يا كنيسة الرب اللي ف القلب ف القلب"، كلمة "حكم قراقوش" نتاج ثقافي لثورة أقباط قفط ضد الضرايب المجحفة، عبارة "صلي ع النبي" اللي بنقولها كلنا مسلمين ومسيحيين

الهوية لا تفرض
القانون الدولي واتفاقات حقوق الإنسان تعطي لكل جماعة بشرية تمثل عددا مليونيا سواء كانت شعب أو طائفة أو مذهب أو جماعة إثنية الحق في تقرير مصيرها (Right of Self-Determination)، وطبعا تنفيذ الحق ده مرهون دايما بمدى حماس القوى الدولية الكبرى للموضوع وفقا لمصالحها، طيب .. إيه اللي حصل في البلاد اللي حاولت فيها الأغلبية الدينية أو العرقية فرض هويتها بحجة الغلبة العددية؟ حصل انهيار للوحدة الوطنية، وده كان بيحصل بصور متعددة كلها أسوأ من بعضها، دائما تحت شعار "حق تقرير المصير" كمفهوم تأسيسي في القانون الدولي
-      تقسيم الهند وباكستان وباكستان الشرقية (بنجلاديش) سنة 1947م على أساس ديني بين الهندوس والمسلمين
-      كردستان العراق ومنطقة الحكم الذاتي منذ 1970م بعد ثورة دامية، والأساس هنا تمييز عرقي
-      الحرب الأهلية في لبنان بداية من 1975م وحتى 1990م، وانتهت باتفاق طائفي مذهبي لتقسيم السلطة بين الموارنة والسنة والشيعة والدروز
-      تقسيم السودان بالأمس القريب ومعروف لنا جميعا

من هنا فسيادة الأغلبية في العملية الديمقراطية مرهونة دايما بمراعاة الآخر الديني أو العرقي للحفاظ على وحدة أراضي الوطن وشعبه بكل طوايفه، والحفاظ عليه مسئولية مشتركة بين الأغلبية والأقلية العددية بنسب متفاوتة

الدين الرسمي والنموذج الماليزي
لفت نظري الصديق طارق عبد الفتاح في حوار للنموذج الدستوري الماليزي، وماليزيا بلد تعددي ذو أغلبية مسلمة تتجاوز 60% مقابل 20% للبوذية والباقي لأديان ومذاهب فرعية، فأغراني بالقراءة فيه، الدستور الماليزي يقر بالإسلام كدين رسمي للدولة، ويكفل حرية الاعتقاد الكاملة، ويعترف بالعقائد المسيحية والبوذية والهندوسية والكونفوشية وغيرها، ويعامل كل مواطن في شئون الأحوال الشخصية والمواريث وتغيير الديانة وفقا لعقيدته بحرية كاملة، وتبقى القوانين المدنية والجنائية والمحكمة الفدرالية مؤسسات مدنية تماما، بهذه الصيغة حققت ماليزيا السلام الاجتماعي برغم دعاة الفرقة والفتن من كل الطوائف والملل، فهل نحن أقل من الشعب الماليزي نضجا وقدرة على تحمل المسئولية الوطنية والخيار الديمقراطي دون تلاعب بالألفاظ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.