27‏/12‏/2010

«حزب الله يراكم القوة من 2006 ـ 2009: الأسس والاتجاهات المستقبلية»- سيناريوهات تعطيل «الكوماندوس» الجوي والبحري.. وإضعاف الجبهة الداخلية


كتب/ علي دربج
تتوقف دراسة الكاتب الإسرائيلي غاي افيعاد، بعنوان: «حزب الله يراكم القوة من 2006- 2009: الأسس والاتجاهات المستقبلية» الصادرة عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، عند مفهوم العمليات عند «حزب الله».
يلفت افيعاد الانتباه إلى أن «حزب الله» بنى فرضياته الأساسية للحرب على انه سيواجه في المستقبل هجوماً برياً إسرائيلياً واسع النطاق يستهدف مناطق نفوذه وتواجده. ومن خلال الاتجاهات التي ميزت بناء قوته في السنوات الأخيرة يمكن استخلاص نقاط رئيسية لمفهومه القتالي.
لقد أدرك الحزب، تضيف الدراسة، انه من الصعوبة الدفاع عن جنوب لبنان ضد أي غزو بري، لذلك عمل على تغيير بنية أرض المعركة. فبدلاً من القتال في الأماكن المفتوحة، نقل مراكز ثقله إلى القرى والأماكن الحضرية. عندها سيكون على الجيش الإسرائيلي القيام بمحاولة للقضاء على منصات إطلاق الصواريخ وتجمعات مقاتلي (المقاومة)، الذين سيقومون بالقتال من وقت إلى آخر داخل هذه المناطق، انطلاقاً من عشرات المواقع التابعة لهم.
فالسيطرة على هذه المناطق الحضرية وسط السكان المدنيين، تتطلب قوات كبيرة من قبل الجيش الإسرائيلي تكون مهيأة للقتال في الأنفاق، والتصدي لمحاولات الخطف من قبل المقاومة، ومواجهة الكمائن، ونيران الوحدات المضادة للدروع وتجنب إيذاء المدنيين غير المتورطين في القتال.
وانطلاقاً من معرفته بحساسية إسرائيل لفقدان الأرواح البشرية، يتوقع «حزب الله» أن تكّبُد إسرائيل خسائر بشرية فادحة تقوض السياسة الإسرائيلية والقيادة العسكرية، وتعطل قدرتهما على الاستمرار في عملية الاجتياح البري. لذا فزيادة مقاتلي الحزب شمال نهر الليطاني، وتسليحهم بصواريخ مضادة للدبابات متطورة تخدم هذا الهدف.
ويشير افيعاد الى أنه سيكون على الجيش الاسرائيلي حينها نشر قواته على خطوط القتال، والتحرك في أراضي العدو المحتملة، حيث سيتعرّض حينها لإطلاق نار من أسلحة دقيقة ومن مسافات بعيدة أيضا. ومن ناحية أخرى، سيتمكن مقاتلو الحزب من عرقلة تقدم المدرعات الإسرائيلية، عبر إطلاق كثيف للصواريخ المضادة للمدرعات من قبل الكمائن الخلفية التي أعدها الحزب خصيصاً لهذه الغاية، مع اخذ الاحتياطات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، باعتماد تكتيك التناوب في إطلاق النار، مستدرجاً بذلك الجيش وجنوده إلى عمق الأراضي اللبنانية بعيداً عن الحدود.
بالإضافة إلى ذلك يبدو أن الانتشار المكثف لـ«حزب الله» شمال الليطاني، وكأنه يهدف إلى منع الجيش الإسرائيلي من تطويق جنوب لبنان كفكي كماشة، فضلاً عن منعه من التحرك للسيطرة على هذا المجال.
ويضيف افيعاد أن فرص البقاء لمقاتلي «حزب الله» على الخطوط الأمامية للجبهة ستتعزز، بينما عملية التطويق المنتظرة للجيش الإسرائيلي على الخطوط الخلفية لمنطقة شمال الليطاني تبدو محفوفة بالمخاطر، حينها سيتحول هذا الجيش إلى ألعوبة في يد «حزب الله».
وبالتوازي مع القتال البري، الجزء الأساسي من مفهوم «حزب الله» هو امتلاك القدرة على الحاق اكبر قدر من الأذى بالمدنيين في الجبهة الداخلية، وبالتالي فإن الازدياد الهام في عدد الصواريخ ونوعيتها وطريقة توزيعها، يراد منها خدمة الأهداف التالية:
أولا، منع القوات الجوية الإسرائيلية من تنفيذ عملية مشابهة لعملية «الوزن النوعي» التي نفذتها في الأيام الأولى لحرب تموز 2006، والتي كانت كلفت الحزب خسارة واحدة من أوراقه الاستراتيجية. وعليه، فإن نشر الصواريخ الطويلة المدى في أنحاء لبنان واستحداث المئات من منصات إطلاق الصواريخ، يهدف إلى تحييد قدرة سلاح الجو على تحقيق نتائج مماثلة لتلك العملية في المستقبل، وبذلك يبقى العمق الإسرائيلي عرضة للتهديد.
ثانيا، الحفاظ على قدرة نارية متواصلة لإطلاق الصواريخ حتى لو نجحت عملية الاجتياح البري، في جنوب لبنان، وبذلك يعزز الحزب من فكرة الانتصار لدى جمهوره. وحسب أفيعاد، هناك قناعة لدى «حزب الله» بأن الجيش الإسرائيلي قادر على احتلال جنوب لبنان، كما فعل في المرات الماضية، وتدمير مجموعة من الصواريخ القصيرة المدى، ومن هنا فإن عملية التوزيع الصاروخي تهدف إلى إلغاء أي إنجاز للجيش وتحدّيه بالسيطرة على المنطقة. في المقابل، هناك رهان على تقويض ثقة الجمهور الإسرائيلي بالحملة العسكرية. وبعبارة أخرى، فإن تمكّن «حزب الله» من مواصلة إطلاق وابل من الصواريخ المختلفة على المراكز المدنية في إسرائيل يطرح تساؤلات حول قدرة الجيش على إزالة هذا التهديد، ويعزز من صورة الحزب كمنظمة قادرة على البقاء، وكخصم لا يقهر.
ثالثاً، يهدف الحزب إلى زرع الموت والدمار، بحيث تصبح الحياة داخل إسرائيل لا تطاق، وهكذا يكون القتال قد انتقل إلى الداخل، وهذا يعني بدوره ان مصير أي مواطن إسرائيلي في تل ابيب لن يكون مختلفاً عن نظيره في بيروت، إذ أنهم سوف يتقاسمون المصير نفسه: الرد على قنابل الطائرات الإسرائيلية يقابله إطلاق وابل يومي من الصواريخ تجاه الداخل.
رابعا، إن الضرر الفادح في الجبهة الداخلية من المرجح ان يعمل على خفض الروح المعنوية لجنود الاحتياط وجهودهم القتالية على الأراضي اللبنانية. ويشير افيعاد الى أن إطلاق صليات كثيفة من الصواريخ على القطاع الساحلي (أي منطقة حيفا وتوابعها)، وبشكل اعنف على تل أبيب يهدف إلى وضع جنود الاحتياط في مأزق أو ورطة، أما البقاء في وحداتهم، فيما هم يفكرون في عائلاتهم تتعرّض للصواريخ أو ترك الجبهة.
خامسا، ان وضع الجنود في حالة دفاع مستمر، ربما يؤدي إلى تعطيل الحركة المنظمة للجيش الإسرائيلي على جبهة القتال. فضرب الصواريخ على مقرات القيادة الإسرائيلية (الأركان) أو مراكز القوى العسكرية، سوف يُبقي الخصم مشغولا بعمليات البحث والإنقاذ، والحاجة إلى الاحتماء من القصف. وهذا من شانه أن يعطل ويعرقل جهود الوحدات اللوجستية التي تعمل على إمداد القوات بالعتاد والعدة والمؤن في ارض المعركة.
فالمفهوم العملياتي لـ«حزب الله» يشمل أيضاً القتال في البر والبحر. إذ ان تدمير البارجة الحربية حانيت (ساعر 5) في الأيام الأولى لحرب تموز 2006، وإسقاط طائرة هليكوبتر من طراز يسعور (في وادي مريمين) قرب بلدة كفرا له قيمة خلف نجاحاتهم الخاصة. وبصرف النظر عن أنها ولدت صدمة للجيش، غير أن هذه الأحداث فرضت تغييراً في حركة الجيش. فالبحرية اعتمدت الحذر، وأصبحت تتحرك بسفنها بعيدا عن الساحل اللبناني، بينما وضع إسقاط المروحية حداً لعملية الإنزال المنوي القيام بها والتي كانت من المفترض ان تميل ميزان الحرب، وأصبح تركيز الجيش الإسرائيلي منصباً بدلا من ذلك على مهمة الإنقاذ. ينظر «حزب الله» إلى تدمير البارجة الحربية وإسقاط المروحية، وكأنه حدث بالغ الأهمية ومحوري لزعزعة الجيش الإسرائيلي وتعطيل قدراته على التفكير بحكمة.
أكثر من ذلك يسعى «حزب الله» إلى الحد من نشاط القوات البحرية والجوية في لبنان.
إن فهم ذلك، حسب دراسة أفيعاد، يمثل مدخلا لدفع القوات الخاصة الإسرائيلية عميقاً داخل الأراضي اللبنانية كما حدث في مدينة صور وبعلبك خلال حرب تموز الأخيرة، وبالتالي تهديد الممتلكات العسكرية الخاصة بالحزب، وذلك كجزء من الرد الإسرائيلي.
من هنا، فإن امتلاك صواريخ بحرية من طراز C-82 ونصبها على الشواطئ اللبنانية، إضافة إلى أنظمة مضادة للطائرات، هو جزء من مخطط مرسوم من قبل الحزب يجعل من الصعب تنفيذ عملية مماثلة (أي إنزال قوات خاصة)، كما انه بمثابة إشارة للجيش الإسرائيلي، أن سعر أي عملية خاصة سيكون مرتفعاً جداً.
يخلص افيعاد إلى انه منذ حرب تموز 2006 حتى 2009، شهد «حزب الله» تحولاً كبيراً، إذ انه قام بعملية دراسة شاملة، وكرست قيادته جهدها وتفكيرها لسيناريو الحرب المقبلة مع إسرائيل، وأعطت أهمية كبيرة للمعطيات الجديدة الناشئة عن المزاج العام داخل الجيش الإسرائيلي.
إن تطبيق الدروس على ضوء التحدي الراهن، جسده «حزب الله» بالإسراع في عملية إعادة البناء والتجهيز، وإعداده لمفهوم عملياتي متغير من خلال تعديله مكونات القوة لديه وتبنيه أنماطاً جديدة تتعلق بحركته الميدانية، وتغيير الاتجاهات الحالية.
تختم الدراسة «لقد برهن «حزب الله» انه منظمة متعلمة موهوبة في فهم البيئة التي تعمل فيها، وقادرة على التكيف مع الظروف والمتغيرات، فضلا عن إدراكه وجهة نظر العدو، وتحليل الأساس المنطقي لتوجهاته. هذه الخصائص تؤكد أن «حزب الله» لا يشبه الجيوش الأخرى المعروفة التي تميل إلى الحرب، بل انه يعمل على تحضير نفسه بشكل مناسب للحرب المقبلة، لذا فإن الجيش الإسرائيلي كما هو مفروض سيواجه منظمة أقوى ومتغيرة جذرياً عن تلك التي واجهها في حرب 2006. فقط بناء رد دفاعي من قبل هذا الجيش وحده يجعل من المحتمل توجيه ضربة قاصمة لـ«حزب الله» في شكله الحالي الحديث».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.