10‏/12‏/2010

الله يسوّد وجوهكم


لا ندري ما الذي أضافه ويكيليكس على السير "الحميدة" والطيبة لبعض من حكام وزعماء المنطقة وساستها المؤبدين المؤلهين، من ذوي التاريخ الأسود المفضوح والمكشوف.
 ولعل تلك اللا مبالاة الشعبية فيما يسمى بالشارع العربي، حيال الوثائق، تعكس حقيقة الصورة التي لم تكن بحاجة لتوضيح لا من ويكيليكس ولا غيره، فنحن من غير ويكيليكس نستطيع أن نقول ونحكي بما لم تأت به تلك الوثائق من شيء. لا بل إن في الشارع، والمحكي، والمروي، والمعروف، وفي التاريخ الممارس الأسود إياه، ما هو أخطر بكثير مما أتي به ويكيليكس. والتاريخ السياسي العربي المعاصر تاريخ أسود بكل المعايير وعلى مختلف المستويات، من هزائم، وتخلف، واستبداد، وانحطاط عام وتآمر وسمسرة ونظم حكم جائرة لا تراعي قيمة ولا خلقاً ولا تحترم مبدأً ولا إنسان. فالدعوة، مثلاً، لغزو بلد من البلدان المجاورة، وتدميره، ليس بجديد، على أصحاب الوجوه السوداء والتاريخ الأسود اللعين، وهم يشنون الحرب تلو الحرب في المنطقة، ويمولونها، ويشعلون الفتن، ويصدرون الخطاب الناري الصدامي ويرعون ويحتضون زعماء ووجوه ورموز الإرهاب الدولي ويوفرون لهم الحماية والرعاية، ومن تحت جلاليبهم خرجت كل تلك الضباع السلفية ومعها كل ذاك الكم الهائل من الإرهاب الأعمى الذي حصد ما جاء ويكيليكس لينبؤنا به بعد أن عشناه جميعاً واقعاً معاشاً.
 فأن يقول لنا ويكيليكس أن رموز جماعة لبنانية "استئلالية" هم مجرد مخبرين للسفارة الأمريكية في بيروت فهذا بالطبع ليس بجديد علينا، والشارع يتداول ذلك، وأن وزيراً للدفاع هو مجرد مخبر رخيص للأمريكان يتخوف من قوى وطنية لبنانية أكثر مما يتخوف من إسرائيل، ويؤلب عليها أمريكا وأدواتها وعملائها وأقلامها المأجورة في الإمبراطوريات السوداء إياها، فتلك ليست بقصص جديدة ومسلية تثير اهتمام أحد، وليست خبطة صحفية على الإطلاق. وأن تقول لنا تلك الوثائق أن وزيراً "استئلالياً" أدار بنفسه، وأشرف على شبكة التجسس والتنصت على الاتصالات، وفبرك بها وجيرها لصالح ما يسمى بالمحكمة الدولية، فهذا الخبر، وعذراً، "بايت" وربما "بايخ" بعد أن صار معلوماً للجميع.
اما تلك الوثيقة التي سربها موقع «ويكيليكس» والمؤرخة في 18/11/2009 عن أنه خلف الوجه الديني الصارم المحافظ في الشوارع، في إحدى مدن الصحراء المباركة، الصاخبة باطناً والصامتة ظاهراً، هناك حياة مجون وتحلل و"صياعة" ليلية يحييها في الخفاء شباب النخبة وأمراء النفط في مدن قريبة من الأماكن المقدسة التي ييمم الملايين وجوههم شطرها كل يوم عشرات المرات لأداء فرائض العبادة (هل عرفتم الآن لماذا لا يصلي البعض؟)، ويقيم أمراؤها الماجنون حفلات مخملية ساخنة حمراء تتفاخر بالشراب والمخدرات وموسيقى الروك أند رول والجنس في الوقت الذي تقطع فيه رقاب الفقراء والمساكين لمجرد الشبهة بشراء وردة لاحتفال بالفالانتاين أو إرسال رسالة SMS. لم تغير فضائح ويكيليكس كثيراً عن الصورة النمطية السوداء للطبقة السياسية العربية في عيون جماهيرها وفي عيون الآخرين، بل لعلها كرست تلك الصورة على نحو موثق ومؤكد، وربما أصبح الويكيليكس مرجعية في هذا الشأن لتبيان طبيعة ومضامين وأهداف وتكتيكات وتوجهات السياسة العربية، ولاسيما في يخص العلاقات البينية العربية العربية، التي لا تسر صديقاً، ولا تحزن عدواً.
 وربما ما "سمح" بتسريبه من ويكيليكس حتى الآن هو ربما مجرد جبل الجليد الظاهر لسياسات ربما يبدو ما خفي منها وما لم "يسمح" بتسريبه، مجرد لعب عيال ولهو بريء، فما ينبغي تسريبه وفضحه، والكثير من القضايا التي يجب تسليط الضوء عليها، لم تقترب منها الوثائق مطلقاً إذ تصنف الوثائق الدبلوماسية عادة بالسرية، أو عالية السرية، وذات السرية العادية التي لا ضير من نشرها وتسريبها كونها لا تشكل أي تهديد للأمن القومي. والغريب دائماً هو هذا السعار الحامي والحقد والكراهية والتواطؤ والتآمر ضد الآخر، والرغبات الهيستيرية المحمومة والمجنونة لإشعال الحروب وتدمير المجتمعات وحرق الأخضر واليابس والحقد غير المبرر على المجتمعات البشرية. لم نسمع في أي من الوثائق عن أن أمريكياً تآمر وألب ضد أمريكي، ولم نسمع أن بروتستانتيا كفر كاثوليكياً، أو بريطانياً دعاً لتدمير اسكوتلندا، أو روسياً ألب على قوقازي، واصفاً إياه برأس الأفعى، أو ذنب العقرب، إلا هؤلاء المناكيد، إذ بات من الطبيعي والمعروف أن يسهل مسلمون وعرب آخرون العدوان على مسلمين وعرب مسالمين، ويمولون الحروب ضدهم، وصار هذا الأامر من طبيعة "العمل العربي المشترك".
 إذ توحي تلك الوثائق، وعذراً للتشبيه أن بعض الأعراب قد تحولوا إلى مجرد حملة "مناشف" في حفلات العهر السياسي وليالي الأنس البيضاوية التآمرية على شعوب المنطقة وأمنها وأمانها ومستقبلها ومستقبل أبنائها. ماذا عسى المرء القول بعد هذه التوثيقات الويكيليكسية سوى الدعاء من قلب محزون ومكلوم، وفؤاد مجروح ومصدوم، بالقول الله يسود وجوهكم يوم تسود وجوه ويوم تبيض وجوه، أكثر مما هي سوداء اليوم، وأكثر مما ستكون عليه سواداً في يوم الحشر العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا كاوبوي واشنطون. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.